ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بالرغم من فظائعها فقد تم اختزال الناس في الحرب العالمية الثانية «1939 - 1945» بالفوهرر هتلر. ثم اختزلوا هتلر بغوبلز «وزير الدعاية» الذي انتحر بعد يوم من انتحار زعيمه. غوبلز نفسه جرى اختزاله بنظريته الدعائية الشهيرة «إكذب، إكذب حتى يصدقك الناس». بلاشك نجح غوبلز في توظيف الإشاعة لما يريد تحقيقه من أهداف. لكن توسع هتلر في أوروبا وروسيا تحديدا أكثر من قدرة جيوشه على المقاومة أدى الى اندحاره وانتحاره معا. لم تكن وسائل الدعاية والإعلام متاحة كثيرا على عهد غوبلز بالقياس الى عالم اليوم. فالصحف والإذاعات كانت محدودة التأثير، كما أن البث التلفزيوني لم يصبح بثا فضائيا حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي. حرب الخليج الثانية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق ومعها حلف من 30 دولة من أجل إخراجه من الكويت كانت أول ما وصفت بأنها «حرب تلفزيونية». كانت قناة «السي أن أن» قد انفردت بنقل مشاهد الصواريخ وهي تسقط على بغداد.مع ذلك بقي غوبلز ونظريته مثار اهتمام حتى في عصرنا الفضائي الرقمي الحالي ومن مسمياته العالم الافتراضي الذي يدار عبر الريموت كونتول أو غرف الدردشة أو وسائل التواصل. ولو أخذنا المحتوى الرئيس لنظرية غوبلز «الكذب» بهدف التأثير في الآخر بتكرار «الكذبة» وطبقناها على ما بات يجري اليوم عبر صيغة جديدة تحت مسمى «منقول» أو «كما وردني» فإننا حيال تطبيق لكن من نوع آخر لتلك النظرية. غوبلز كان هو صانع المحتوى وناشره بين الناس، لكن على طريقة ما نسميه في أمثالنا «الكذب المصفط». الذي يردنا الآن عبر صيغ مختلفة مثل «منقول» أو «كما وردني» هو حيلة ذكية لمن يريد خلط الأوراق أو الإساءة أو
التسقيط.
المشكلة التي تواجهنا في العالم الافتراضي اليوم لا تنطبق عليها الركن الآخر من معادلة الكذب «المصفط» وهو الصدق «المخربط». فإذا فحصنا من يتولى القيام بدور الوسيط الناقل لمحتوى كاذب لكنه «مصفط» دون فحص كمية الصدق حتى لو كان «مخربط» لوجدناهم ليسوا من أولئك الذين كان يستهدفهم غوبلز، أي عامة الناس. المتأثرون بالدعاية الغوبلزية اليوم طبقا للمفهوم الدعائي للعصر الرقمي هم من مستويات سياسية أو تعليمية راقية. مسؤولون وقادة رأي وأحيانا أساتذة جامعة ينقلون عبر هواتفهم النقالة محتويات هزيلة، ساذجة، غبية تحت عنوان، كماوردني أو منقول.