ياسين النصير
تعود الكثير منا أن يتحدث عن نفسه من خلال مقتبس أخذ من كتاب فلسفي او ثقافي، أو يتبنى شخصية روائية لم يتعرف عليها إلا من خلال النص، ويعد حديثه حديثًا ذاتيًا ويمكن أن يضع نفسه بمكان ذات صاحب المقتبس، مع أن بعض النصوص المقتبسة تعود لمؤلف من زمن بعيد، أو من لغة مختلفة. والسؤال كيف يمتلك الشخص شخصا آخر مع أنه لا يعرفه إلا من خلال مقتبس عنه، ثم يدعي المعرفة الكاملة به؟ قد تبدو هذه مشكلة معرفية بسيطة، يقوس البعض ما يقتبسه ليبتعد عن التبني مسافات، أو يموه ما يقتبسه بعبارات مختلفة مع ان المعنى واحد وهو ما عد سرقة.
في الرياضة يجري تطبيق هذا المثل بيسر وسهولة، عندما يتحدث شاب بحماسة عن فريق ما، من خلال انجازات هذا الفريق، فيصبح حديث الشاب حديثا عن ذاته، وليس عن الفريق، مع انه لم يلعب رياضة ولم يقامر ولم يشاهد مباراة حية، أما كيف يحدث ذلك؟ فهذا هو سؤال التبني الذي يساء فهمه عندما يكون مشاعا من دون دراية بالكيفية التي اتبنى فيها نصاً أو فريقا رياضيا أو مرشحا للانتخابات.
في عموم النظرية الاجتماعية نجد ثمة شريحة واسعة تتبنى للآخر بالرغم من أنها لا تعايشه ولا تعرفه معرفة كافية لا من خلال المشاهدة، ولا من خلال المواجهة معه، والأدهى أن لايكون الآخر من هذا الزمن، وبالرغم من أن المشاهدة وحدها لا تثمر نتائج التبني، ومن ثم الدفاع المستميت عن الأنموذج المتبنى، وإنما المشكل في الإيمان القطعي بمثل هذه الحالات وأحيانا يكون الايمان أعمى قد يذهب ضحيته له. كما حدث في اغتيال نجيب محفوظ وفرج فودة والسادات، إن من تبنى القتل لايعرفون افكارهم، وهكذا يتكرر الأنموذج بإشاعة قدسية المقتبس أو الأنموذج الرياضي. ومن ثم ترسيخ مبدأ لايقوم على حقائق تجريبية.
لا أكتم احدًا أنا من متابعي الرياضة، وشغوف بكرة القدم والألعاب السويدية وغيرها خاصة في الأولمبياد، لأني كنت خلال فترة الشباب لاعبا ومدربا لكرة القدم وفائزا بجوائز، ولذلك عندما أرى لعبة رياضية متميزة بنتائجها أتبناها بغض النظر عمن يكون هذا الفريق أو ذاك، وبحكم استمرار تجربة المشاهدة وجدت ان فريقا رياضيا مثلا يستحق الإشادة لانه يعطينا أنموذجا للتطور التقني والفني ويمتعنا بصريا من خلال اللعب وإجادة محتواه، انه يتعامل مع الملعب كما لو كان مسرحا وهو الممثل الذي كلف بأداء دور ما فيه، الأمر الذي يجعلني كما يجعل الملايين غيري يتبنون فريقا دون ان يقتربوا من رؤيته إلا من خلال اللعب. ستكون الحال أعمق وجودا لو كان المتبنى زيا معينا، أو قصة شعر لا تعجبنا، أو لونا لملابس لم نرتدها، أو طريقة في الطهو لم نأكله، أو حوارا في قضية لا تخصنا، أو مشاركة في فعالية لم نحضرها، ستجد أن عدد الذين ينساقون وراء الإعلام أكثر بمئات المرات من عدد من يعرفون حقيقة الأمر.
ليس مثل الرياضة دائمة الحضور في الحديث عن الأنموذج المحتذى، فقد تتغير الطرق الى البحث عن الأنموذج في الثقافة أو السياسة، عندما لايقترن الفعل بالنجاح دائما، ومع ذلك يبقى للقارئ كما للمشاهد أحقية أن يبحث عن أنموذجه المتخيل، وإذا لم يعثر عليه يعود ثانية للمقتبس ويتبناه بوصفه مقولته الذاتية. وهنا يمكن سر انتشار الشائعة حينما يكون التفكير تخييلا أول الأمر، ثم تحققا ذاتية في أنموذج أو أكثر شرط أن تبقى الرغبة متعلقة بنجاح المقتبس.