اسماعيل ابراهيم عبد
إن للصورة الشعرية تفاعلا متبادلا بين الشاعر والمتلقي للأفكار والحواس عبر قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل، بلغة تستند إلى الغنائية ومجاز الاستعارة، والتشبيه؛ تهدف استثارة إحساس المتلقي واستجابته، وان العناصر التي تتكون منها الصورة الشعرية تتمثل في اللغة والموسيقى والإيقاع، والإيحاء.
يرى الجرجاني" انها وليدة خيال الشاعر وأفكاره" إذ يتيح الخيال للشاعر الدخول خلف الأشياء واستخراج أبعاد المعنى، لأنَّها طريقته لإخراج ما في قلبه وعقله إلى المحيط الخارجي ليشارك فكرته مع المتلقّي كون الصورة مادة تعتمد الرمز والايحاء، لنتأمل ما يقوله الجرجاني ثانية: مَعلوم أنَّ سبيل الكلام سبيل التصوير والصِّياغة،وأنَّ سبيل المعنى الذي يعبِّر عنه الشيء الذي يقع التصوير والصَّوغ فيه، وللجاحظ أيضاً قول يشير الى أن"الشعر فنٌّ تصويريُّ يقوم جانب كبير من جماله على الصورة.. وحسن التعبير"(1). إذاً الصورة تشكل في ذاتها بُعداً ونصاً فنياً تحفر تصورات المتلقي بما لايمكن تجاوزه.
وفي مجال الحفريات الصورية تعدُّ الصورة البوستر مؤشراً ذا ضغط إعلامي موجه إلى المتلقي لمحاصرته في إطار دلالة بعينها، تتنامى في متن الخطاب الشعري بوضوح أحياناً،وفي خفاء أحياناً أخرى، كما يرى ذلك د. محمد عبد المطلب. وللصورة أثر وتداعيات تقترب بها من اداء الفوتوغرافيا وأثر ضغطها الإعلامي على معطيات الخلق
الأدبي.
لقد كشف الناقد صالح أبو إصبع عن أهمية الصورة المعاصرة وخطورتها بقوله: ان من سمات عصرنا الراهن بأنه عصر الصورة. مما يعني هيمنة الصورة وسيادتها لتكون إحدى أدواته المعرفية والثقافية والاقتصادية"، بمعنى ان إثر الصورة تحول من الهامش إلى المركز، ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة والسيادة على غيرها من العناصر والأدوات الثقافية"(2)، لعل الصورة الاعلامية والاعلانية كـ (بوستر) هي الأكثر حِسية في التواصل الالكتروني، وهي الأكثر رواجاً في التبادل التسويقي، وهذه حال سيحتاط الشعر بها خطوطاً وكلمات ومعنى وتواصلاً مع المتلقين، فقد توضع صورة حقيقية جنب او فوق او تحت الكلمات، تضيف الى القصيدة الشعرية بُعداً بلاغياً أو توضيحياً، بل قد تكون الصورة قصيدة مستقلة.
ولأجل ألّا يفسد الشعر وتفسد الصورة، لأجل ان يكون (البوستر الشعري) ـ بالقلم او الكاميراـ متسقاً مع شاعرية الشعر، ولأغراض جمالية ومعرفية وتواصلية، لابد من ضبط ايقاع الصورة بحيث لا تفترق عن اداء الجملة الكتابية كثيراً، لذا يتوجب التنبه الى بعض المخاوف التي تحيط النتاج الشعري في حال المبالغة بالفوتو ـ الشكلي ـ على حساب المبغى الدلالي .
تؤشر الصورة الشعرية بيئة لصورة الاهتداء بطريقة من اشتغلوا بقصد على شعرية شعر البوستر الفني، لا من باب التقليد انما من باب استثنائية الاستثمار، إذ لكل مستثمر (نصيب) يخصه منفرداً، يشع به الى القارئ النوعي، الذي يثمن ويتفاعل مع الـ (البوستر الشعري) كون الصورة البوستر رسما يؤدي وظيفة الشعر وشعر يصوع وظيفة الصورة كما هو حال صور الكتابات الشعرية في مواقع التواصل الاجتماعي.. ونود ان ننبه الى سبل النجاح وشروط استثمار (البوستر الشعري) العراقي:
1 ـ عمق صورة البوستر الشعري: فالعمق يشير الى كثافة الدلائل، وتعدد رؤى الفهم، وجمال الانبهار المدهش. هذا العمق بما فيه وما عليه، محفوف بهاويتين هما (الغموض مستحيل الفهم) و (المبالغة في تكرار الصور، لما يزيد على اشباع رغبة المتلقي).
2 ـ مادة البوستر وأدواتها: مادة الصور هي أدواتها نفسها، كالخطوط والألوان والموضوعات، فان كانت مادة رصينة حسنة التنفيذ للاشتراطات المرعية، وملائمة للمرحلة الزمنية تقنياً، سيكون
ذلك مدعاة لنجاح محتواها الشعري كاطار لفضاء القصيدة. بعكس
ذلك سيخرب عمل الشعر
والصورة.
3 ـ الاتساق والتوالي: بالتنسيق بين الادوات والعناصر والموضوعات بما لا يزيد ولا يقل عن حاجة التلقي، يجعل الاتساق وتناسق أنسجة اللغة مبرمجاً لرؤى المنشئ، حامياً للأفكار الرئيسة من التشتت غير المجدي والتوزع المؤذي، وعكس ذلك يجعل الإرباك والملل قرين العمل، طارداً المتابع والمتذوق والناقد المتخصص أيضاً.
4 ـ الاتقان الجمالي: يعتمد هذا على قدرة وذائقة المنشئ ونوع ثقافة التداول لديه. وموهبته كما ان ذائقة المتابع ترفع المستوى الجمالي كونه لغة خطاب موجه نحو آخرين يسنجذب اهتمامهم الجمالُ البصري أولاً، ثم الجمال التوزيعي، النفع المباشر، ثم الطرافة الفكرية الثقافية.
5 ـ النصية المتعادلة: وهي نصية التناصف الادائي بين الصورة (الرسم) والصورة (الكتابة) والنسق (الأبعاد) وعلاقتها مع الفضاء المكمل، وأي خلل سيحط من شأن العمل كله.
إنَّ البوستر الشعري نصية تفترض وجود كتابة وصورة، وكلاهما يعلن ويضم جزءاً مستقلاً ومكملاً لبعضهما من طرف ولفضائهما من الطرف الأبعد.
وثمة حصيلة تعطينا فكرة عميقة وبسيطة عن شعرية وشاعرية الـ (البوستر الشعري) العراقي، انها قصيدة الصورة الكتابية المرسومة بخطوط هندسية ويدوية، تتضافران في فتح الازاحة الشعرية نحو معان تخلط نوعين أو أكثر من المعارف الذوقية.
المصادر
(1) مريم غياضة، الصورة الشعرية، كوم العربي،تأريخ النشر 17 /12 /2018
(2) د. عبد الله المحسني، من الصورة الفوتوغرافية إلى الصورة الأدبية.. مونتاج نقدي، جريدة الرياض، السعودية، 12 /4 /2007