لم يستطع الكثيرون ممن تابعوا زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق أن يكبحوا مشاعرهم ودموعهم خاصة اثناء زيارته لكنيسة سيدة النجاة الشهيدة والقُداس الذي اقامة في هذه الكنيسة التي شهدت مجزرة دامية عام 2010 راح ضحيتها العشرات من الشهداء المسيحيين الابرياء دفعوا ثمن التعصب الطائفي المقيت على يد العصابات التكفيرية الهمجية المتوحشة، وهي ذات العصابات التي استحلّت نحو ثلث العراق واحالته الى خرائب وقبور، وبعد ان عانى العراقيون من سكان تلك المناطق من فواجع ومآسٍ فأذاقتهم ألوان التعنيف والتقتيل والتهجير القسري كافة، ناهيك عن الوحشية المفرطة التي تعرّض لها المكون الايزيدي الذي تحمّل القسط الاكبر من التوحش الداعشي وبما يندى له جبين الانسانية من عمليات استرقاق واستعباد واغتصاب وتعدٍ على الاعراض وقتل على الهوية واكبر عملية تطهير عرقي شهدها التاريخ الحديث.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بعد ذلك الاعصار التكفيري الاقصائي الاهوج صار لزاما على العالم اجمع ان يعيد حساباته ويراجع نفسه ويرجع الى جادة الصواب ويعيش انسانيته المفقودة المبنية على مبادئ التسامح وضرورة تقبّل الآخر المختلف ونبذ الكراهية والتوحش في التعامل مع الاخر المختلف باجتثاثه او تصفيته لمجرد الاختلاف،وما المظاهر الوحشية التي حدثت إبان الغزو الداعشي إلّا مصاديق عملية على انعدام ثقافة التسامح وتقبّل الآخر المختلف كما حدث في الموصل وسنجار وفي كنيسة سيدة النجاة الشهيدة وغيرها من الاماكن التي أبتليت بداء التطرف
التكفيري.
وكان اللقاء التاريخي الروحي الذي جمع قداسة البابا فرنسيس وآية الله السيستاني (دام ظله) في مقره المتواضع في النجف الاشرف بارقة أمل ودرسا حقيقيا وعمليا واضحا لثقافة التسامح وتقبّل الاخر باجتماع رأسي التسامح لديانتين مختلفتين، تلك الثقافة التي خصصت لها الامم المتحدة يوما عالميا للاحتفاء به على صعيد العالم أجمع وهو يوم السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام من اجل ترسيخ قيم التسامح ونبذ الكراهية والتمييز بكل اشكاله واحترام خصوصيات وثقافات الآخرين مهما كانت.
وكانت الحمامات البيض التي أطلِقت اثناء زيارة قداسة البابا تحمل أكثر من دلالة رمزية للنقاء المعبّر عن الاعتدال والتسامح وتقبّل الاخر، كما أكد ذلك بصورة عملية بعيدة عن المداهنة والمجاملة، قطبا التسامح والسلام والتواضع الزعيمان الروحيان الكبيران وعلى مقربة من مرقد علي بن ابي طالب صاحب مبدأ التسامح الاول (النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ).
فلتكن زيارة قداسة البابا الى العراق مثابةً لتعزيز التسامح وقبول الاخر بين جميع العراقيين تأسيسا لبناء دولة حضارية مدنية حديثة.