ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
المجر الكبير..مدينة سالت من دجلة واستقرت على نهر سّمي باسمها ،هدّها التعب، نزح أكثر أبنائها نتيجة جور الإقطاع، الباقون هم الذين بهرتهم هذه المدينة الجميلة ،فهي ليست عذراء ولا مراهقة، لأن الشط يشقها من المنتصف ،وأصبحت أكثر استرخاء وطهارة، تبدو من الجو كشفتين عذبتين تغريان بإطالة النظر إليهما، شط عريض جار متدفق يمشي، يحيلك إلى قرى وأماكن وتجمعات وفطرة وشهامة وعنفوان وبراءة.ويعد قضاء المجر الكبير واحد من اهم واكبر اقضية محافظة ميسان وفيه اهم المصانع والمزارع ومنها معمل ومزرعة قصب السكر، كما يوجد في هذا القضاء أقدم اعدادية للزراعة ،إضافة الى أنه يعد أكبر مركز سكاني في المحافظة بعد مركز مدينة العمارة.
لهجة جنوبية
وكالة الأنباء العراقية (واع) دخلت الى عمق هذه المدينة للتعرف على مكنوناتها الفكرية ولهجتها الجنوبية الممزوجة بطين الهور وعبق قصبه، ويقول الكاتب والروائي سعدون جبار البيضاني: إن "هذه المدينة جميلة ومعطاء وتغنى بها المطرب مسعود عمارتلي في ثلاثينيات القرن الماضي :
(يالمِنْحِدِر وياك عالمجر ذبني) ..وأخذتها منه صديقة الملاية وناظم الغزالي وغيرهم ،وأغنية آ يهل المجر يالمالكم ﭼارة وأغنية عمّوا علّيه اهل المجر وغيرها، وكانت لأهل المجر الكبير لهجة متميزة تختلف عن اللهجات العراقية ،لا بل حتى عن لهجة أهل العمارة المركز ،فكل من يمشي أو يسير من العمارة باتجاه جنوبها يقولون مِنحْدِر(بكسر الميم وسكون النون وكسر الحاء والدال ) لذلك قال المطرب بالمجر ذبني (انزلني)لأنها محطة للجمال، فالمدينة يشقها نهر المجر الكبير من المنتصف فتبدو كشفتين عذبتين جميلتين".
أصل اسم القضاء
وأضاف أنه " شاع استخدام كلمة المدينة وذلك لأن المجرهو المجرى النهري حيث يتفرع المجر الكبير من الضفة اليمنى من نهر دجلة غربي محافظة ميسان... والمجر الكبير ومركزها القرية المسماة باسمها التي سكنها الشيخ وادي ،أحد رؤساء البو محمد العام 1886--1923م، وسماها بعض المؤرخين (سوق وادي )... وريف المجر الكبير هو عبارة عن مقاطعة لأسرة آل خليفة التي كان يمثلها الشيخ مجيد الخليفة أحد رؤساء البو محمد ،وقد ذكرها الرحالة الشهير (سباستياني) في رحلته العام 1656م، وتحدث عن العمارة والمنصورية وفي العام نفسه تحدث عنها الرحالة (فنشو) وبعده مر بها الرحالة (تافرنييه) .
مصدر اقتصادي وعلمي
الكاتب عبد الرزاق الساعدي ،أحد سكنة المجر الكبير قال: "سأدخل في الجانب الاقتصادي الصناعي لقضاء المجر الكبير، إذ يوجد فيه مصنع الورق ومصنع السكر ،الذي تأسس في أواسط الستينيات من القرن الماضي بواسطة شركة هاوايان الامريكية والمشروع يتكون من المزرعة والمصنع، والمزرعة تقسم الى قسمين هي المزرعة القديمة والعيداوية بمساحة إجمالية 45 الف دونم تزرع بقصب السكر، أما المصنع فقد صمم لإنتاج 100 ألف طن سكر سنوياً، وبلغ مجموع العاملين فيه أكثر من 2000 من الأيدي العاملة وتحول اسم المشروع إلى الشركة العامة للسكر.بعد استلام المشروع من الأمريكان ويحتوي على ثلاث قرى سكنية كبيرة".
اعدادية زراعة المجر
ويضيف الساعدي أن هناك معلماً آخر في القضاء ،هي اعدادية الزراعة التي تخرج منها كوادر كثيرة باعتبارها أول المدارس الزراعية في العراق ،وكانت تضم من ثلاث مراحل بتسعة صفوف وأقسامها التالية : قسم البستنة، قسم المحاصيل، قسم تربية الحيوان، قسم الميكانيك، قسم الدواجن، قسم الصناعات الغذائية، وقد رفدت المحافظة بكوادر وسطية ومتقدمة يشار لها بالبنان لرصانة التعليم فيها ،ولكنها الآن تعاني الاهمال والتجاوز وانتشار المحال المتجاوزة على أبنيتها ومزارعها".
الموقع والتاريخ
المؤرخ علي العقابي قال لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الموقع الجغرافي لمدينة المجرالكبير في الضفة اليمنى من نهر دجلة وعلى الطريق الرئيس (بصرة ــ عمارة) كان متميزاً كونها تحتوي على مساحات شاسعة خصبة تصلح للزراعة ، ويضاف إليها كثرة الجداول المتفرعة منها ،ما جعلها مركزاً حيوياً لاستقطاب الناس".
وأضاف: " لقد كانت المدينة في العهد العثماني والبريطاني والجمهوري تشتهر بتصدير الحبوب وخاصة (الرز) إلى مدينة عبادان في إيران وبعض دول الخليج ،وكان النقل آنذاك بواسطة السفن الشراعية (المهيلات) وتبلغ مساحة مدينة المجر الكبير (19) كيلومتر مربعاً تقريباً وأغلب هذه المساحات الشاسعة كانت زراعية، وعند إنشاء معمل سكر القصب في ميسان تحولت هذه الأراضي الشاسعة إلى حقول زراعية تابعة إلى معمل سكر القصب الذي اُسس العام 1967م وأصبحت المدينة محاطة بحزام أخضر وسواقٍ كثيرة ، ما جعل اتساع المدينة صعباً جداً لا يتناسب مع عدد سكانها الهائل الذي تجاوز (160) ألف نسمة في العام 2015م، وهي تتكون من(54) حياً وقاطعاً و(89) مدرسة بين روضة وابتدائية ومتوسطة وثانوية وإعداديات زراعة وصناعة وتجارة ومعهد إعداد المعلمين وكليتين ،الإدارة والاقتصاد، والزراعة، ونقلتا بعد ذلك لمركز المحافظة وهي المدينة الوحيدة التي تعمل بين أحيائها سيارات الأجرة (التاكسي).
ويؤكد العقابي أن" المجر الكبير من المدن القديمة جداً في محافظة ميسان، فقد مر بها الرحالة سبستياني العام 1656ميلادي قائلا: مررنا بقريتين هما المجر والقصر، وذكرها تافرنيه في رحلته عام 1678 م وأما تاريخ تأسيسها فكان سنة 1876 م لتكون سوقاً للمنطقة (سوق وادي) نسبة إلى شيخ البو محمد وادي بن منشد، وأنشأوا حولها البساتين وزرعوا حقول الخضر فاتسع عمرانها وذاع صيتها ،وبهذا أصبحت قرية كبيرة جداً ،بيوتها من القصب ،وبإجراء بعض التعديلات الإدارية في لواء العمارة العام 1881م صارت المجر الكبير ناحية ،وفي سنة 1904م أصبحت ناحية المجر الكبير قضاء في العهد العثماني ومن ثم تم تخفيض صفتها الإدارية إلى ناحية مع ناحية قلعة سكر في محافظة الناصرية لأسباب غير معروفة في حينها ،وبعد الاحتلال البريطاني تدهور وضعها الإداري، فقد أهملت صفتها الإدارية مكتفية بذكر كلمة مقاطعة.
واستمر هذا الإهمال الإداري سواء كان من الحكومة المؤقتة أو في بدايات العهد الملكي فباتت المجر الكبير قرية يديرها رئيس بلدية معين له سلطة جزائية محدودة من الدرجة الثالثة للنظر في الدعاوي الجزائية الطفيفة التي تحدث في قريته وتتبع مركز العمارة ،وعين لها سنة 1921 م إسماعيل الشيخ إبراهيم رئيس بلدية ،والحقيقة أن قرية المجر الكبير كان يديرها فعلياً الشيخ مجيد بن خليفة بن وادي بن منشد من مواليد 1887 م أحد كبار شيوخ قبيلة البو محمد والمتوفى في العام 1981م في بيته في بغداد الكاظمية الذي كان يلتزم مقاطعة المجر الكبير، ويبدو أن الحكومة العراقية كانت راغبة سنة 1932م بمد نفوذها الإداري ومد سيطرة الدولة إلى كل أجزاء العراق ومحاولة عمرانه، وعلى هذا الأساس أصبحت قرية المجر الكبير ناحية التحقت بقضاء قلعة صالح ، وتتبع هذه الناحية قرية المجر الصغير التي سرعان ما صارت ناحية مستقلة تتبع لواء العمارة سنة 1934 م، وكان أول مدير ناحية في حينه المرحوم خالد سعد الدين وكاتب الناحية هو المرحوم احمد عصمان إلى أن أحيل على التقاعد عام 1958 م، وهكذا اتضحت حدود ناحية المجر الكبير، تحدها من الشمال والغرب ناحية المجر الصغير(أم عين) ومن الشرق قضاء قلعة صالح جنوبا الحد الفاصل بين الناحية وقضاء القرنة وقلعة صالح ويتبعها ( 83 ) قرية، وقد بلغت مساحتها (1038) كم مربعا، أما عدد نفوسها فقد بلغ (4508) نسمة، واغلبهم من المسلمين ، والبقية من الأقليات الدينية والعرقية , الصابئة (112 ) نسمة، واليهود( 3 ) بالإضافة إلى الأصول الفارسية وبلغ عددهم ( 28) نسمة ، واتسعت قصبة المجر الكبير بعد دخولها ضمن التشكيلات الإدارية، فكانت سنة 1937 م فيها ( 400 ) دار وصريفة و(175) حانوتاً و(6) مقاهٍ وحمام واحد ومسجدان ،وكانت الناحية مكونة من محلتين الأولى محلة السراي واسمها نسبة إلى سراي الحكومة ،وهي من أقدم المحلات واصل مركز الناحية ،أما المحلة الثانية فهي محلة البدراوي، وسميت نسبة إلى بيت البدراوي التي نزحت من بدرة لواء الكوت الذي انشأ له خاناً كبيراً وزين مكتبه بالزجاج الملون والنقوش والزخرفة، ثم توسعت الحوانيت في هذه المنطقة وسميت بسوق البدراوي وكان مختصاً بتجارة الحبوب، وبدأ الناس السكن فيها، وعلى هذا المنوال استمر التوسع في هذه القصبة ففي العام 1947م أيضا تم تأسيس محلة البدراوي الجديدة، وفي بدايات العام 1957م انتقل سراي الحكومة في منطقة عرفت في ما بعد بمحلة السراي الجديدة ،وبذلك تخلصت إدارة الناحية من الأبنية القديمة السابقة، التي كانت لا تستوعب الموظفين فضلاً عن ذلك أنها كانت مؤجرة .وكان أول أعضاء للمجلس البلدي لعام 1936– 1941 م.عبد الرسول راضي الصفار " مسلم" وحسين البزاز "مسلم" وعبد الإبراهيم "مسلم" وعلك الخلف "صابئي".