يوسف عبود جويعد
انبرى جمع من الروائيين لتناول ما حدث في سنجار بطرق وأساليب متنوعة وزوايا نظر تختلف بين راوٍ وآخر، ورواية "عينٌ على الطريق" للروائي هونر كريم، انضمت إلى هذه المجموعة من الروايات التي تحكي هذه الواقعة، إلا أن أسلوب تناول الروائي لهذا النص السردي، جاء من داخل سنجار ومع انطلاقة هذا الهجوم الشرس من قبل الدواعش، وتداعيات هذا الهجوم على أبناء هذا القضاء، ومن وسط الرعب والقلق والخوف والهروب للنجاة تنسج خيوط هذه الرواية أحداثها، لنكون مع كنار بطلة هذا النص وهي تهرب نحو جبل سنجار لتلتحق مع الهاربين، إلى الجانب الآخر من الجبل، وهي تحمل ابنها الوحيد رافو، تاركة مصير زوجها مجهولاً بين ناجٍ مع الناجين أو لقي حتفه من قبل الدواعش، إذ إنه التحق إلى عمله في مستشفى الموصل، والأخبار تترى عن هجوم الدواعش، ومن هناك تلتحق كنار مع النازحين في مخيماتهم، وتبقى عينها على الطريق تنتظر قدوم زوجها "سرمد"، وهي كل يوم تظل تتأمل الطريق الذي يفضي إلى مدينة الموصل علها تحظى برؤية زوجها، ومن هنا جاءت بنية العنونة"عينٌ على الطريق" لتكون العتبة النصية الموازية للنص، إذ يوكل الروائي مهمة إدارة دفة الأحداث، لبطلة الرواية كنار، كما أننا سوف نلاحظ في هذه الرواية الخروج من الأطر التقليدية في مثل
تلك الأحداث التي تظل تتابع حركة بطلة الرواية، لأننا سنجد في هذا الفضاء السردي مساحة كبيرة لأحداث مرافقة ومكملة لحركة المبنى السردي، تتعلق بشخوص الرواية، مثل حكاية نازدار وأختها ايما، وحكاية إيما وخطوبتها وزواجها من شمو، وحكاية صباح عم كنار، وحكاية أم قاسم وهروب ابنها مهاجراً عن طريق البحر إلى اليونان، وحكاية زواج سرمد من كنار، وحكايات أخرى تنبثق وتتناسل وتنطلق من البؤرة الرئيسة والمركزية لأحداث هذا النص، ألا وهي حكاية كنار وزوجها سرمد، كما سنطوف مع الساردة وهي تنقل لنا حياة النازحين في المخيم، وطقوسهم، ومعاناتهم، في الصيف الحارق، والشتاء البارد، وأيام الأمطار والرياح والعواصف، وأصوات البرق
والرعد:
وهكذا نتابع بكل حماس تحرك الأحداث، وانتظار كنار لزوجها، وهرعها نحو الشاحنات التي تقل أعدادا من النازحين الجدد، والسؤال عن زوجها، وتسجيل اسمه في الصليب الأحمر، والطلب من الصحفي أن يسأل عنه قدر استطاعته، ثم نتابع نازدار وهي تنتظر أختها إيما، وكذلك وصول أختها إلى المخيم وهي بحالة يرثى لها، ولا تريد أن تتذكر ما حدث لها، ومجيء عمها صباح لمتابعة حياتها، ورغم كل هذا إلا أن كنار في داخلها إحساس بأن زوجها حي يرزق، وسيظهر مع موجة جديدة من النازحين، وتزداد المعارك ضراوة بين القوات المسلحة والدواعش، ويزداد عدد النازحين بسبب ما تتطلبه الضرورات الأمنية والمعارك والقصف:إن اعتماد الروائي على هذا التداخل في الأحداث، جعلها أكثر متعة وتشويقاً، كما أنه استطاع أن ينقل الصورة البشعة لوجه الدواعش في أعمالهم الهمجية، واندفاعهم في قتل الأبرياء من دون أي مبرر، وبعد انتظار ومتابعة من قبل كنار عن أخبار زوجها، الذي لا تعرف عنه أي شيء، يظهر بصيص أمل بظهور أحد الأشخاص:"ذات يوم زارنا شخص غريب، لم أره من قبل، كان يبدو من هندامه بأنه زائر أتى من مكان بعيد، بعيد جداً، جاء خصيصاً لرؤيتي، قطع مسافات واسعة وسع البحار من أجل رؤيتي، كأنه يملك خبراً مهماً، خبراً يضع الحروف المطلوبة في مكانها وتنحسر الغيوم في
أجوائي.
عرف بنفسه بأنه يدعي جاسم عادل، ارتسمت في وجهه السعادة"
ص 168.
ومن خلال هذا الموفد الجديد تكتشف
كنار مكان زوجها سرمد، وتتأكد بأنه على قيد الحياة وبمكان آمن، إلا أن اشتداد
المعارك في الجانب الأيمن من الموصل الذي تسكن فيه إحدى العجائز التي أوت سرمد، جعل العجوز تموت، ويختفي مرة أخرى زوجها سرمد، وتسجل قواتنا المسلحة الانتصار الكبير، وتنتظر الأسر التيتسكن سنجار تنظيف الأبنية من الألغام
للعودة، وتبقى النهاية مفتوحة بانتظار الأمل المقبل.
"تنهدت بقوة وأنا لا أعلم كيف أرد عليه وتأسفت لوفاة والدته وأنا أحدق في الطريق المؤدي أمامي إلى ما لا
نهاية".