ما يميز حدث زيارة بابا الفاتيكان الى العراق أنه حدثٌ لن يتكرر ربما لمئات السنين القادمة، كما أنه لم يحصل طيلة السنين الماضية؛ أي أنه بالفعل حدث استثنائي غير متوقع الحدوث مستقبلاً، لذا فإنَّ استثمار كل تفاصيل وجزئيات الحدث في تغطيته إعلامياً أو تحليل مضامينه أو دراسة نتائجه ستكون مهمة ودقيقة بالنسبة للمشتغلين في تلك المساحات.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ودليل اهتمام العراقيين كأفراد فضلاً عن نخب سياسية وثقافية واجتماعية بهذا الحدث أنهم تابعوا لحظة انطلاق الطائرة التي تقل بابا الفاتيكان الى العراق ومراقبة مسارها الجوي حتى دخولها الأراضي العراقية ونشر ذلك في منصاتهم أولاً بأول، الأمر الذي يعطي مؤشراً واضحاً أنَّ هذا الشعب وإنْ مرت عليه المحن والظروف القاسية، لكنه بلد ثقافة وتاريخ يعرف شعبه قيمة بلدهم وعمقه الحضاري لذا تفاعلوا منذ اللحظة الأولى لبدء رحلة البابا بهذا الحدث المهم الذي وفر فرصة لنا جميعاً أنْ نتنفس أملاً بكوننا محط رعاية العالم حضارياً وثقافياً، بل والعالم المتقدم، ولم نصبح في عداد الدول والحضارات التي خرجت من مسار التاريخ، إذ إنَّ التكثيف الإعلامي والأداءات المحبطة للقطاعات السياسيَّة والاجتماعية والاقتصادية والأمنيَّة بل وحتى الثقافية تركت تصوراً بأنَّ العراق أصبح في " خبر كان" لا سيما مع نتائج جملة من الاستبيانات والاستفتاءات المحلية والدولية التي وضعت البلاد في مواقع متأخرة بتصنيفاتها، الأمر الذي ترك أثراً بسوداويَّة كل ما حولنا حتى تنبأ عددٌ كبيرٌ من المثقفين بانهيار البلد.اليوم هذه الزيارة تحمل رمزية عالية جداً، مفادها أنَّ بلداً تمتد جذوره وعمقه الحضاري الى آلاف السنين ولا يزال محط أنظار واهتمام أعرق الحضارات في العالم لا يمكن له أنْ ينتهي أو ينهار بين ليلة وضحاها، لذا فإنَّ التكثيف الإعلامي وبث سوداوية الحياة في كل وقت وحين لن تنهي بلداً يحلم زعيم أكثر أمة في العالم وهو بابا الفاتيكان بزيارته ويحقق هذا الحلم رغم كل التحديات والمخاطر والتشويش والتثقيف الإعلامي ضده.
تبقى مسؤولية الدولة كبيرة في المبالغة بالاهتمام بهذا الإرث الحضاري وتسويقه الى العالم ومن خلاله يمكن أنْ يصبح بلدنا محطة سياحيَّة مهمة لملايين البشر من الديانة المسيحيَّة، لا سيما بعد اهتمام زعيمهم الديني والروحي بهذا الموقع الجغرافي وبعده الديني والحضاري، الأمر الذي سيشجع المسيحيين لزيارة زقورة أور وبيت النبي إبراهيم "ع" والكنائس والمواقع ذات الصلة في بغداد ونينوى وأربيل وغيرها، أي بإمكان الدولة أنْ تحول هذه الزيارة الى وسيلة لجذب نوعٍ جديدٍ من السياح الى العراق وما يستتبع ذلك من فوائد عظيمة على البلاد.
مسؤوليتنا كنخب ثقافية هو تعظيم دور حضارتنا وإرثنا سواء بمواقعها الجغرافيَّة أو ببعدها التاريخي والديني والثقافي وأنْ نطوع أنفسنا رسلاً الى العالم من أجل ذلك في كتاباتنا وأحاديثنا وتواصلنا مع العالم، علّنا ننجح في خدمة بلدنا.