ميسان -واع - شذى السوداني وعبدالحسين بريسم
لا تحتسب زيارة القادم إلى مدينة العمارة إذا لم يمر بشارع التربية .. الشارع التجاري ورئة العمارة الحديثة ، حيث يلتقي جميع المواطنين للشراء والتنزه أو للقاء الأصحاب في المقاهي والمطاعم ، فالزائر لايستطيع الحركة بسهولة في هذا الممر البشري، الذي لم تتوقف الحركة فيه حتى بعد تفشي فيروس كورونا.
ذلك الشارع الذي كان يطلق عليه حتى وقت قريب (شارع المعارف) نسبة إلى التسمية البريطانية إبان الاحتلال ،وتحول بعدها إلى اسمه الحالي "شارع التربية" ، الذي يبدأ من سوق الذهب وينتهي في وسط السوق المسقوف ، فهناك تقف بشموخ أقدم مكتبة في العمارة "المكتبة العصرية" التي تأسست العام 1929.
هذه المكتبة التي يديرها حيدر حسين المتخصص في الكتب والمخطوطات ،التي تتحدث عن تأريخ مدينة العمارة ،وتعد الوجه الآخر للثقافة في ميسان لارتباطها بالكتب والصحف والاصدارات ،وهي علامة بارزة للجمال والثقافة والتواضع الذي يميز شارع التربية.
مكتبة بعمر قرن
وكان لوكالة الأنباء العراقية (واع ) زيارة للمكتبة العصرية ،ويقول صاحب المكتبة العصرية حيدر حسين داود: إن "المكتبة العصرية تعد أقدم مكتبة في المحافظة ـ تأسست العام 1929 في الوقت الذي بني فيه السوق –المسقوف – حيث اعتمد على أسلوب الأقواس باعتماد بناة من مدينة العمارة وأشرف عليهم أسطوات من تركيا ، وكان يبلغ طوله حينها خمسين متراً ، أما اليوم فهو أطول من (300) متر ،ويتميز بالبناء المعماري القديم ذي القباب المتسلسلة ،ومن اللافت للنظر أن موقع المكتبة الجغرافي يقع بين قوسين هما سوق العمارة المسقوف حيث هو الرابط ما بين الفضاء وشارع التربية".
واضاف أن "المكتبة العصرية ذات أثر بالغ في نشر الوعي الثقافي في المدينة، وفيها تنورت أفكار الكثير من المبدعين العماريين ،خصوصاً في مجال الشعر والأدب والعلوم الأخرى، وكان من أهم روادها الشاعر الكبير محمد الجواهري أيام نقله إلى أرياف العمارة في آنذاك، وتحتوي المكتبة العصرية على أهم الإصدارات الإبداعية التي خطها أبناء العمارة في مختلف مجالات الإبداع، إضافة إلى دور المكتبة في نشر الوعي العام من خلال توزيع أغلب الصحف العراقية".
صرح حضاري
أما الشاعر والإعلامي حيدر الحجاج فقال لـ(واع): إن "لكل مدينة صرحاً تعتز به كإرث حضاري ورمز يمثل شخوصها ،فالمكتبة العصرية هي روح المدينة ورئتها التي يتنفس منها مثقفو المدينة امتداد ايدلوجيتهم ورسوخهم الثقافي ،حيث إنها ربما تكون اشتراطاً يومياً لممارسة الحياة ،فالمثقف والتربوي والمهندس والعامل وحتى التلميذ ﻻ بد له من أن يحط رحاله وترحاله في المكتبة".
وتابع أنها "الشاخص الوحيد الذي لم تطله فؤوس العمارة واسمنتها الذي أكل من المدينة شواهد عديدة كانت ترمز للعمارة القديمة ،ففيها يلتقي الباحثون والفنانون القادمون من العاصمة ،وكل من عاد من الغربة وأوجاعها ليتطبب بماء زمزمها ،لأنها وبلا شك تمثل أبناء ميسان ،وقاعدة ثقافية مهمة تمثل قطب وعصب المعلوماتية الثقافية في ميسان".
مكتبة بحجم الوطن
الناقد التشكيلي غسان حسن محمد أشار لـ(واع) أن "المكتبة العصرية في ميسان تعد من أعرق المكتبات ،وتتلمذ على مبيعاتها من الإصدارات التي كانت بعمر حداثة العراق إبان تأسيس الدولة العراقية في العام 1921م ،الكثير من شخصيات المدينة وطاقاتها الفذة في شتى صنوف المعارف والعلوم. ..وحفلت المكتبة بمختلف الإصدارت ذات النزعات والأفكار التقدمية والقومية ..التاريخية والدينية .الليبرالية وغيرها،وهي تفتح أبوابها ناشرة للثقافة بفسيفساء بحجم بلد حضاري كالعراق..مر بها العديد من المثقفين والأدباء ..وطلاب العلم وهي توزع الثقافات على أبناء المدينة ، ليس هذا فحسب بل أن صاحبها الحاج حيدر حسين يحتفظ بذاكرة عامرة تزخر بالكثير من الحكايات والأحداث لشخصيات المدينة الوطنية والتاريخية..الثورات والانتفاضات والنضال لنيل الحريات منذ العهد الملكي ومروراً بالجمهوريات الأربع ،ولا يمكن أن تمرّ بميسان من دون أن تعرج على قبس النور "المكتبة العصرية" إيقونة المدينة وذاكرتها التاريخية الحافلة بكل ما هو جميل وراق.
قلب العمارة
وأوضح الكاتب والباحث غازي المشعل أن "المكتبة العصرية تأسست على يد المرحوم عبد الرحيم الرحماني - كما يشير عقد التأسيس - في الخامس من تشرين الأول من العام 1929م ،كفرع للمكتبة العصرية الشهيرة في بغداد ..وبقيت المكتبة في نفس مكانها تقريباً في تقاطع السوق الكبير مع شارع المعارف ( التربية لاحقاً )..على الرغم من التوسعات والتغيرات المستمرة التي طالت السوق عقب الحريقين الهائلين اللذين التهما السوق مطلع سبعينيات القرن الماضي ..وبقيت المكتبة شامخة".
ولفت إلى أنه "يتذكر مقولة ما زالت تتردد في ذهنه منذ أكثر من أربعين عاماً كان يجاهر بها أستاذ الأجيال والمربي الفاضل المرحوم ماجد شهاب الشبيب يوم كان يسهب في شرح درس الجغرافية: "إن أهمية وموقع المكتبة العصرية بالنسبة إلى مدينة العمارة كموقع وأهمية قناة السويس بالنسبة إلى الشرق الأوسط" - أي أنها قلب العمارة وموقعها الستراتيجي..وأن من لم يزر المكتبة العصرية ( عندما ينزل الى السوق ) فلن يعرف من العمارة شيئاً".
ويضيف المشعل: "وعلى المستوى الشخصي فقد عرفت هذه المكتبة وربانها الأخ الكبير حيدر حسين منذ أكثر من نصف قرن من عمر الزمن.. حيث كنا نقتني منها كل حاجاتنا من الكتب المدرسية والقرطاسية والألعاب والمجلات والصحف ،وهي كانت نقطة الاشعاع في المدينة ..وملتقى الأدباء والفنانين والمثقفين والسياسيين.