بغداد- واع- علي جاسم السواد- مراسلون
يبدو أن زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إقليم كردستان حملت في طياتها معطيات جديدة لم تتحقق في العديد من الزيارات السابقة التي أجراها رؤساء وزراء سابقون أو مسؤولون آخرون في الدولة، فمعطيات هذه الزيارة اختلفت باختلاف برنامج الكاظمي في جولته ،التي تعدَّت مساحة البروتوكولات الرسمية ،وقفزت على الواقع الكلاسيكي لزيارة حكومية سابقة، فهذه الجولة باتت أكثر وضوحاً بإتجاه لملمة العلاقة المتجذِّرة بين المركز والإقليم بوصفها علاقة تاريخية تتعدى السياسية والخلافات التي تحدث هنا وهناك.
هي زيارة بحجم الوطن، لأن الرؤية الجديدة التي حملها رئيس الوزراء أسست لمفاهيم جديدة لعلاقة بين المركز والإقليم، رؤية صنعتها أجندة رحلة الكاظمي في الإقليم ،التي لم تكتف بلقاءات المسؤولين بل إنها بمثابة وضع الأصبع على جرح قديم لم يندمل، لتتشافى جراحات الوطن ويرتمي بين أحضان شعبنا الكردي ،ويثبت أنه جزء من هذه الأمة وهمومها وقضاياها ،هي ذاتها قضايا ابن البصرة وميسان والأنبار، فالجميع يتطلع لنتائج هذه الزيارة وقدرتها على تضييق حلقة الاختلافات في وجهات النظر ،وتأسيس أرضية جديدة للحوار على أساس الدستور والمصلحة الوطنية العليا.
لقاءاتٌ سياسيةٌ
الكاظمي استهل زيارته للإقليم بلقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني بحضور عدد من المسؤولين في حكومة الإقليم حيث شهد اللقاء بحث مجمل الأوضاع العامة على الساحة الوطنية، وأبرز التحديات التي تشهدها البلاد، وتوحيد المواقف على المستوى الوطني، فضلاً عن ملف إجراء الانتخابات المبكرة.
وأكد الكاظمي على أهمية التكامل في المواقف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وأكد أن إقليم كردستان جزء أساس ومتكامل من العراق، والحوار والدستور هما الخيمة التي تؤمن مستقبلاً آمناً لعراق موحد ومستقر.
المحطة الثانية لرئيس الوزراء كانت بلقائه رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، وقال رئيس مجلس الوزراء في مستهل اللقاء: إن تجربة التعاون الأمني والتكامل في أداء القوات المسلّحة في مواجهة عصابات داعش الإرهابية عززا الوحدة الوطنية وجعلا الانتصار ممكناً.
كما التقى الكاظمي رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني،وجرى خلال اللقاء طرح الملفات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، والتأكيد المشترك على أهمية توحيد الصفوف والمواقف في مواجهة التحديات الراهنة، وشهد اللقاء توافقاً مشتركاً وتأكيداً على أهمية اعتماد الحوار المتبادل والدستور كخيمة جامعة لحل كل الملفات، والوصول بها الى أفضل صورة تخدم الشعب العراقي بجميع مكوناته.
جولاتٌ ميدانيةٌ
رئيس مجلس الوزراء أجرى جولات ميدانية في الإقليم ،حيث تفقد منفذ إبراهيم الخليل الحدودي في زاخو بمحافظة دهوك، واطلع على سير العمل والإجراءات الجمركية والضريبية وآلياتها المتّبعة في المنفذ الحدودي المهم.
وبعدها تفقد الكاظمي مخيم قاديا للنازحين في محافظة دهوك والتقى عدداً من العوائل النازحة، واستمع إلى مشاكلها ومعاناتها، ووعد سيادته بتلبية كل المتطلبات التي يحتاجها النازحون، في مخيم قاديا وباقي المخيمات، وزار رئيس الوزراء أحد مواقع جريمة الأنفال والتقى بجمع من المواطنين من ذوي الضحايا المؤنفلين.
زيارةُ السليمانية
بوصلة رحلة الكاظمي اتجهت صوب مدينة السليمانية حيث اجتمع وفور وصوله بمحافظ السليمانية وعدد من مسؤوليها المحليين و رؤساء الدوائر الإدارية في المحافظة ،واستمع الى إيجاز عن واقع المدينة الخدمي، وأبرز ملفات الأوضاع العامة فيها.
كما استمع رئيس مجلس الوزراء إلى مطالب عدد من المتظاهرين والمُحتجّين في السليمانية ،واطلع على المشاكل وقضايا الاحتجاجات التي يطرحها المتظاهرون، ومن بينهم عدد من الفلاحين والمزارعين المُطالبين بتسديد استحقاقاتهم المالية لقاء تسويق محاصيلهم.
ثم التقى الكاظمي رئيس الجمهورية وعدداً من القيادات الكردية ،وبحث معهم القضايا والملفات المهمة ،ومجمل التحديات الراهنة، فضلاً عن آخر التحضيرات والجهود لإجراء الانتخابات النيابية.
وأشار الى أن للعراق اليوم فرصة تأريخية في أن يتجاوز كلّ عثرات الماضي، وأن يشرع في بناء اقتصاده ونظامه الإداري بالشكل الأفضل، والأنسب لمصالح جميع العراقيين بكلّ أطيافهم.
بعدها اتجه الكاظمي إلى مدينة حلبجة، وتفقد منفذ باشماخ الحدودي في السليمانية واطلع على سير العمل فيه.
نتائجٌ مثمرةٌ
وعن نتائج الزيارة قال المتحدث باسم نائب رئيس حكومة إقليم كردستان سمير هورامي: إن"هذه الزيارة لها جدوى سياسية ،وحكومية مهمة ،ولها أهمية لتقارب أكثر مع الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان، ما تؤدي إلى استقرار سياسي وحكومي ،والزيارة جزء من الدوافع لمعالجة الإشكالات بين الإقليم والمركز ".
وأضاف أن"الكاظمي بحث مع حكومة الإقليم المسائل العالقة ،كموضوع المستحقات المالية لإقليم كردستان ،وكيفية تثبيتها في مشروع الموازنة العامة لعام 2021 ،وأيضاً موضوع المناطق المتنازع عليها إدارياً ،وتمويل وتسليح البيشمركة ،والتنسيق المشترك بين القوات العراقية والبيشمركة لمواجهة خطر الإرهاب".
بدوره أكد مستشار رئيس إقليم كردستان مسعود حيدر لوكالة الأنباء العراقية (واع)،أن"الزيارة مهمة لفك أيّ عقدة موجودة في المباحثات الفنية بين الجانبين ،وتأكيد ضرورة معالجة جميع القضايا ضمن الإطار الوطني والدستور العراقي".
وأضاف أنه" تم التأكيد على زيادة التنسيق بين الجيش وقوات البيشمركة لمحاربة الإرهاب ،وعلى ضرورة عدم ربط رواتب موظفي الإقليم بالقضايا السياسية ،فضلاً عن توحيد الجهود الوطنية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية ،التي قد تواجه العراق".
من جانبه قال عضو مجلس النواب عن تحالف عراقيون النائب حسن فدعم: إن"الزيارات التي يجريها رئيس الوزراء سواء الداخلية أو الخارجية فيها فائدة كبيرة للعراق ،لأنها تواصل مع الشركاء في الوطن والاستماع إلى مطالبهم وملاحظاتهم، لافتاً إلى أن"المشاكل بين بغداد وأربيل هي خلافات قديمة ،وبعضها قانونية ودستورية ،وفنية ،وسياسية".
وأضاف أن"زيارة رئيس الوزراء هي لترطيب الأجواء وتهيئة الظروف للتفاهمات ،وأعتقد أن زيارة واحدة كافية لحل الاشكالات بين الإقليم"، مبيناً أن "عدم وجود الجدية لدى الإقليم وتمسكهم بعدم تسليم إيرادات الإقليم إلى المركز ،والاشكالات العالقة لترسيم الحدود بين الإقليم والمركز ،هو السبب الأساس للمشاكل العالقة لهذا اليوم".
إلى ذلك أكد رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري أن زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إقليم كردستان تأتي في إطار المحاولات الحكومية لإطفاء الأزمات بين بغداد وأربيل, ولتمهيد التهيئة لبيئة سياسية مستقرة لإنهاء الخلافات قبل إجراء الانتخابات المقبلة ،وبما يؤمن إجراؤها بشكل صحيح.
وأشار الشمري في تصريح خاص لوكالة الأنباء العراقية (واع) إلى أن"من ضمن متطلبات المرحلة الانتقالية الحالية محاولة العمل على إنهاء الخلافات السياسية وحلّ الملفات العالقة بين الطرفين, أو على أقل تقدير الوصول إلى مساحة تفاهم حول بعض الحلول التي يمكن أن تعمل على تلبية مطالب الإقليم من جهة ،وبما لا يتعارض مع صلاحيات وسيادة الحكومة الاتحادية.
وبين أن الكاظمي ينطلق باتجاه ترسيخ صورة تبين قدرة الحكومة الاتحادية على إجراء التفاهمات وإدارة شؤون البلاد, لافتاً إلى أن زيارة الكاظمي لمعبر إبراهيم الخليل الذي يربط البلاد بالجارة تركيا يمثل إمتداداً للسلطة الاتحادية".