خاص- واع- فاضل محسن
على الرغم من مرور ثلاثة وعشرين عاماً على أدائه دور (ستار كوسج) في مسلسل ذئاب الليل الجزء الثاني ،إلّا أن هذه الشخصية ظلت عالقة بأذهان المشاهدين، وظل هذا الاسم يرافقه أينما ذهب، أعمال درامية عديدة كان له فيها حضور فاعل لما يمتلكه من قدرة على تقمص الشخصية وأدائها بأسلوب مميز جعله يتفرد على أبناء جيله.
قضى معظم حياته في الفن ، ينظر إليه البعض على أنه أفضل ممثلي جيله ، مختلف ، مميز ، استثنائي بأداء أدواره المختلفة والمركبة ، ممثل لا يضاهى، قادر على تقمص الشخصيات مهما كانت ، ممثل ومخرج وأكاديمي ، درس المسرح ودرسَه ، اجتهد في تكريس اسمه في كل من المسرح والسينما والتلفزيون ، ولم يكتف بهذا فذهب الى الكتابة والإخراج ، نجماً بكل ما تعنيه الكلمة من معان وصديق للجميع ، كتب ومثل وأخرج أكثر من أربعين عملاً مسرحياً ، وألف الكثير من مسرحيات الطفل .
في الحوار الذي خصّ به وكالة الأنباءالعراقية يحدثنا الفنان محمود أبو العباس عن حياته وفنه :
- بعد الرحلة الطويلة في الفن والحياة والسفر والغربة والمسرات والخيبات . هل ما زالت هناك طموحات ؟
* الطموح عند الفنان يبدأ مع بداياته ولا ينتهي إلا عند الموت ، عملياً كل مراحل الحياة هي محاولات للاختبار، اختبار الخبرات واستنطاق الوعي ومحاولة وضع منجز يليق بالخبرة التي يمر بها الإنسان ، كلما ما مر به من خيبات ومسرات ولوعات وأفراح ، هي بلا شك تجارب مضافة ، نحن نعمل باستمرار حتى نحقق هذا ونحاول أن نجدد من خلال الاكتشاف ومن خلال المحاولة لتخطي المنجز ، لذلك يرتبط هذا كله بالطموح لأنه يجدد الوعي ويجدد الحس النقدي من خلال ما يقدمه من منجز ،أولاً لإتمام المشوار ومحاولة للقضاء على الخيبات وزرع السعادة في النفس، الرحلة لم تكن سهلة لأننا عشنا في ظروف لا تستطيع أن تسعف الحس الجمالي عند الفنان العراقي بشكل خاص ، نتيجة الحروب وكل هذا الدمار الفكري الذي مر به الإنسان ، لكن"نحن محكومون بالأمل" كما قال سعد الله ونوس.
عشق المسرح
- هل تشعر بالحنين الى المسرح ، مع أن أغلب جمهورك يتذكر مسرحياتك لا مسلسلاتك؟
* المسرح معبدٌ للفنان ،خصوصاً أننا بدأنا وكانت جل اشتغالاتنا ومعظمها في المسرح ، من البدايات ،ومن المراحل المتقدمة من العمر كان المسرح هو الهاجس الأساسي في العمل ، أعتقد أن الشوق لا ينقطع ،لذلك أنا أشعر أن كل مسرحياتي التي قدمت والتي كان معظمها يخص النخبة ، كانت راسخة في الذاكرة وما زالت تناقش للآن ، أنا أشعر أن الطاقة الايجابية الحقيقية هي في المسرح.
أحب تجاربي السابقة ، المسرح يعطيك استمرارية في الحياة ، أحس أن المتعة الحقيقية هي في التمثيل للمسرح ، التمثيل في التلفزيون حبٌ منقوص ، أو حبٌ من طرف واحد ، لأن التلفزيون في هذه الظروف الإنتاجية التي نمر بها غير قادر على استيعاب القدرات المهمة التي يتمتع بها الفنان العراقي.
شعوري هو أنه كل ما قدمته على التلفزيون تمرينٌ مستمرٌ للعواطف والأحاسيس ، تمرينٌ للجسد ، تمرينٌ للصوت ، هذه التمارين يصاحبها استكشاف ،ويصاحبه محاولة الغور في تفاصيل الحياة واكتشافها ، عكس عمل الفنان في المسرح ، يجب أن يكون الممثل انسكلوبيديا متنقلة ،يفهم في اختصاصه كل شيء ويفهم في كل الاختصاصات . أنا أنتمي وأحن لكل شيء في المسرح منذ البدايات الأولى في البصرة العظيمة ،بالرغم من بساطة التجربة ، ولكن بعد الدراسة في الأكاديمية ،وضعنا اليد على كل ماهو جديد ، ربما المواكبة الآن أصبحت في المسرح يطغى عليها الجانب البحثي ، الجانب التنظيري وليس هناك تجارب مهمة تحاول أن تستفز المسرح بطبيعة الحال حتى أنك ترى عدد النقاد أكثر من الممثلين والمخرجين.
- هل هناك أساتذة في المسرح والسينما والتلفزيون تعلمت منهم ؟
* طبعاً هناك أساتذة كبار أثروا فيًّ ،بدءاً من تجربتي الأولى في البصرة حتى آخر تجاربي في التلفزيون أخيراً ، أساتذتنا في كلية الفنون الجميلة ،معلمون في السينما والمسرح والتلفزيون جعلوا من حياتي قيمة حقيقية ، أساتذة تعلمت منهم الالتزام وحب العمل والجدية والبعد عن الابتذال . أنا محظوظ لأنني عاصرت وتعلمت على يد أساتذة علموني الكثير وأكسبوني خبرة في الفن والحياة .
- لماذا هذا الابتعاد عن الخشبة ؟ هل تخلصت من إدمانك للمسرح ؟ أم أنها نتيجة طبيعية لظروف غير طبيعية ؟
* لم أبتعد عن المسرح بالرغم من الظروف غير الطبيعية ، الأعمال المسرحية الآن للأسف هي أعمال مهرجانات ، حتى يستطيع المخرج وكادر العمل السفر بالمسرحية … آثرت الابتعاد قليلاً وقررت تدريب حواسي وصوتي وحضوري من خلال السينما والتلفزيون . سأعود قريباً ، فكرة الرجوع للمسرح تستهويني ، عندي حنين عظيم للخشبة ، كل أجواء المسرح تلهمني.
جزء مني لا يستطيع أن يتقبل فكرة الابتعاد عن المسرح مهما كان السبب
سر النجاح
- ما الوصفة التي جعلت من محمود أبو العباس مقبولاً من الجميع ولعدة أجيال ؟ هل لك أن تدلني على وصفة واحدة ؟
*وصفة واحدة ؛ هي مبدأ القدرة على التجاوز ، الوسط الفني العراقي يحتاج إلى الكثير من المراجعة وفيه الكثير من السلبيات ، بعد عودتي اكتشفت مشكلة كبيرة أن تتعايش مع الوسط الفني ، بسبب التعصب أو الفرقة الكبيرة بين الفنانين ، أنا أعتقد أن كل ما قدمناه هو محاولة للتقرب للجمهور ، نحن نحتاج الى جهد استثنائي لإعادة الوعي للجمهور العراقي خصوصاً في ما يتعلق بموضوع المسرح والدراما التلفزيونية والسينما ، لأنها تفاصيل فيها إشكالية عالية ومشكلة الدعم ، مشكلة الإنتاج ، مشكلة الديمومة ومشكلة الجو العام الاجتماعي ، الجو الفني العام كله يحتاج الى مراجعة ، يحتاج الى الكثير من الصبر ، أشعر أن الوصفة الأكثر أهمية أن تكون جاداً في البحث وفي عملية التفتيش لكل ما يجدد الطاقة ويجدد المنجز الإبداعي ،لأننا بطريقنا الى أن نتحول الى روتين قاتل في حلقات العمر الأخيرة .
يجب أن يكون هناك بحث مستمر ، قراءة مستمرة ، مشاهدات متواصلة ، كسر الحاجز مع موضوع الأجيال ، في كل دول العالم هناك تواصل وجسور بين الأجيال ،ولكن عندنا هنا إشكالية كبيرة بالعزل والتقاطع بين كل الأجيال.
فخور بمنجزك الفني ؟
* أعتقد أن هذا الأمر متروك للمتلقي ، وحدهم لهم الحق في تقييم تجربتي ، ولكن من وجهة نظري فأنا قدمت ما أستطيع ،ولكن أحس بتقصير شديد تجاه بلدي الحبيب ،بسبب الغياب الطويل الذي امتد لعشرين سنة ،بالرغم من أنها كانت خدمة لوطني خارج الحدود في دولة شقيقة ، ولكن لا تستطيع أن تثبت ذاتك إلا وسط أهلك وجمهورك وأصدقائك المسرحيين ، أحب كل ما قدمته ولكني لست فخوراً جداً بما قدمت.
طريق النجومية
- كيف كان الطريق عندما وصلت للنجومية ؟
* لا أعتقد نفسي نجماً ، أنا ممثلٌ … صناعة النجوم صناعة معقدة تجتمع فيها الكثير من التفاصيل ،وهناك مؤهلات إعلامية وفنية كبيرة يحتاجها الفنان ليكون نجماً وأهمها التسويق ، لأن النجم ليس في أن يكون محلياً لا يشاهدك إلّا أبناء البلد ، وأنما تكون على مساحة أكبر اتساعاً ، لا يوجد لدينا ممثل نجم في العراق ، لأننا لا نشعر بأهمية الطاقات الموجودة عندنا ،بسبب الكثير من التكتلات ومحاولات التسقيط التي يمارسها الفنانون أنفسهم وعلى أنفسهم ، لذلك عملياً الإنتاج يقف عند حدود الإنتاج داخل البلد ، لذلك لن تجد أعمالاً عراقية سُوقت الى الوطن العربي بعكس الدراما السورية والمصرية واللبنانية ،التي أصبح الإنتاج عندهم جزءاً من الوارد القومي ، نحتاج إلى الكثير من الألفة والتعاون والإنتاج الجيد لتجاوز هذا الاشكال ،وتحسين صورة الدراما لتصل عربياً .
شروط الممثل
- هل تتعامل مع احداث الدراما كتعاملك مع الحياة ، بعيداً عن ظروف الشخصية ؟ اقصد المشاعر ، وهل تعدل من انحرافات المؤلف؟
* الممثل الحقيقي خصوصاً في الدراما التلفزيونية يحتاج إلى قراءة النص كاملاً وليس كما معمول به في العراق عندما يقوم الفنان بقراءة مشاهده فقط ، حتى أنك تشاهد المشاعر والأحداث منقطعة وغير متصلة ، عندما نقدم الشخصية علينا أن ندرس أبعادها من خلال علاقاتها بالآخرين وهذا الأمر في غاية الأهمية وفي غاية التعقيد بنفس الوقت . الممثل عليه أن يجمع بين قراءتين ( للمؤلف وللمخرج) ويبني عليهما هو ذاته .
لا أعتقد أن الممثل والمخرج تحت سيطرة المؤلف بالكامل ، عليهما التوافق بتطبيق الرؤى والتوصل لنتائج أكثر جمالاً وإبداعاً وكمالاً.