بغداد- واع- علي جاسم السواد
تصوير صفاء علوان
بينما كنت أرى دموع العراقيين تتساقط كالشهب ،وهم يشاهدون شراذم الأرض يحتلّون الموصل الحدباء ويعيثون بالمدينة قتلاً وخراباً وفساداً، كان رجل كبير يجلس وحيداً وتتلاعب بين أنامله مسبحته بهدوء ،وكأنه غير مكترث لهذا اليوم العصيب والمقفر.
فعصابات داعش الإرهابية تحتل قديسة الوطن وتنشر الرعب والسواد الحالك، وتمزق أشلاء حضارتها العتيدة، اقتربت منه وسألته عن سبب اللامبالاة، كانت تقاطيع وجهه تحمل حكاية قديمة لم تمحُها معاناة السنين وعيناه تُخبئ وجعاً بحجم هذه الأرض، وقال بصوت يعزف نشيد بابل القديمة ،وفيه بقايا رنين أجراس كنيسة (مار توما): هل انتهت الحكاية؟ كلا، هؤلاء المجرمون لا يدركون حماقة ما فعلوا، ستسمع صوتاً يأتي من بعيد، يستصرخ ضمير الأمة ،وحينها ستتحول هذه الدموع الى مطر يروي الأرض ويغسل المدن من قذارة الإرهاب.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
لم تمر إلّا أيام قليلة حتى دوّى صوت يتهدج بحب الوطن ويستنهض الضمير، نعم تذكرت كلام الرجل، وأدركت مغزاه، فمعرفته بالعراق تمتدُّ لعمق حضارته ،وكان يعلم أن وجود مرجع الأمة وسندها آية الله العظمى السيد علي السيستاني ،يمثل صمام أمان للوجود، فكانت فتوى الجهاد الكفائي ،ما هي إلّا صوت بابل وسومر وآشور، امتزج بكعبة الله وقدسه ليُشكل لحناً عراقياً عزفته أرض النجف الأشرف وطرب له كل شبر في هذا الوطن.
نعم فتوى بحجم الحياة، وشباب تشابكت أياديهم وقلبوهم ،غير مبالين إلّا باستجابة نداء، لتتحول تلك الأنشودة الى ردم ذي القرنين ،لكن ليس بزبر الحديد، وإنما بسواعد سمراء تشبّعت بطين دجلة والفرات، لتسرد حكاية يعجز عن وصفها أبرع الأدباء، حكاية نصر وشهادة، أثمرت عن لحمة وطنية جمعت أبناء الوطن ووحدت كلمتهم لتبدأ عمليات التحرير.
وبعد مرور ست سنوات على صدور الفتوى التي أنهت عصابات داعش الإرهابية من وجودها في أرض الأنبياء والأوصياء، تستذكر وكالة الأنباء العراقية(واع) تلك الفتوى العظيمة التي شكلت علامة فارقة في تأريخ العراق الحديث، وتحولت الى نبراس تهتدي به الأجيال.
البصري: الفتوى حددت بوصلة المعركة
وعن تلك الفتوى العظيمة يقول معاون رئيس أركان هيأة الحشد الشعبي لشؤون العمليات أبو علي البصري ل(واع): إن " فتوى الجهاد الكفائي هي من حددت بوصلة المعركة، وكانت المنطلق الواسع في محاربة داعش الإرهابية وتحقيق النصر ،ولولا هذه الفتوى لما تحقق النصر بحضور المتطوعين وتشكيل الحشد الشعبي وبالتعاون مع القوات الأمنية والحشد الشعبي تحقق النصر".
وأضاف أن " العراق لا يزال بحاجة الى فتوى الجهاد الكفائي ،لأن تلك العصابات الإرهابية لم تنته، وما زالت موجودة على شكل مجاميع وتنفذ عمليات ضد الأبرياء والقوات الأمنية ،وهي ضعيفة ومتخفية ،لكن الحاجة لا تزال قائمة الى الفتوى" مؤكداً أن " الأجهزة الأمنية لا تزال بحاجة الى الحشد الشعبي للوقوف معها في مواجهة التحديات وكذلك الحشد الشعبي وحده لا يستطيع أن يحقق حالة الاستقرار، لذلك فإن التكامل بين القوات الامنية والحشد الشعبي ما زال قائماً ويكمل بعضه الآخر ،وكل هذا بفضل فتوى الجهاد الكفائي".
سنوات مرت ولا تزال فتوى الجهاد الكفائي منقوشة في قلوب العراقيين، يتشبثون بها ،وكيف وهي وحدتهم في غفلة من الإرهاب الذي أدرك أن شعب الحضارات عصيّ على الاستسلام، وأن هذه الأرض التي كانت مهداً للحضارات ومولداً للأنبياء وقبلة للأوصياء والصالحين ،لا يمكن أن تهزم أو تُضام بوجود شعب عظيم يستجيب لنداء المرجعية بمختلف طوائفه وقومياته، رجال ونساء وحتى أطفال، ليقدموا درساً آخر ،لكنْ في مسلة اسمها الجهاد الكفائي.
الخفاجي: الفتوى نقطة تحول في أداء القوات الأمنية
الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي استذكر فتوى الجهاد الكفائي قائلاً :"نعيش هذه الأيام ذكرى الجهاد الكفائي التي تعدُّ نقطة تحول في أداء القوات الأمنية لأنها كانت ظهيراً وسنداً قوياً، واستطاعت قوات الحشد الشعبي من خلال فتوى الجهاد الكفائي أن تعمل مع القوات الأمنية بمختلف مسمياتها وأن تسحق عصابات داعش الإرهابية بإصرار وعزيمة المقاتلين الابطال وكذلك دماء الشهداء والجرحى التي بفضلها تحقق النصر في ثلاث سنوات ونص السنة".
وأكد الخفاجي ل(واع)، أن " المرجعية الكريمة هي مفتاح النصر وصمام الأمان بالنسبة إلى العراق".
الكبيسي: الفتوى دواء شافٍ لكل داء
ونحو غرب العراق وحيث تغفو مدن على ضفاف الفرات لتصنع ساتراً منيعاً يحمي بغداد من كل عاديات الدهر، نسمع صوت رجل دين وهو يستذكر تلك الفتوى العظيمة التي اجهضت مشروعاً ارهابياً تآمرياً على هذا الوطن ومكوناته، فكانت لوكالة الأنباء العراقية (واع) وقفة مع إمام وخطيب جامع اللطيف الخبير، ورئيس رابطة شورى علماء الانبار وعضو المجمع العراقي للوحدة ،الشيخ الدكتور جلال الكبيسي الذي قال: إن"فتوى الجهاد الكفائي كانت الدواء الشافي والمعافي لكل داء، تعرضت المحافظات والمدن للخراب على يد عصابات داعش الإرهابية، فكانت تلك الفتوى المنقذ الوحيد وسفينة النجاة لتلك المحافظات ،ولولا تلك الفتوى لبقي أهل تلك المحافظات مشردين بعيدين كل البعد عن محافظاتهم وعن ما يملكونه من أملاك ،فكانت تلك الفتوى توقيفاً وتحطيماً لمشاريع الإرهاب".
وأضاف أن " سماحة السيد المرجع الأعلى علي السيستاني صمام أمان لهذا البلد الذي يحتاج لمثل هذه المرجعية الوطنية الشريفة التي ليس همّها إلا أن تجعل العراق بلداً واحداً مهما تعددت أطيافه واختلفت ألوانه ،لذلك لبى الجميع نداء المرجعية وقاتلوا الارهابيين، فكانت الفتوى نبراساً ونوراً لجميع العراقيين ،وهي الماء الذي يرتوي به عطاشى أهل السنة من الانبار وصلاح الدين والموصل، فانقذهم الله بفضل هذه الفتوى بعد أن كانوا على شفا حفرة من الهلاك والهاوية".
ستة أعوام مضت ولا تزال تلك الفتوى العظيمة عامرة في القلوب، ولا تزال تلك الفتوى بوصلة ترسم خارطة التآخي والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وتجسد حقيقة حضارة هذه الارض التي لن تتوقف عن العطاء يوماً.
الصافي: الفتوى امتازت بقراءة التأريخ
وقال ممثل المرجعية الدينية العليا السيد احمد الصافي في وقت سابق إن الفتوى المباركة "فتوى الدفاع الكفائي" تقرأ أكثر من قراءة ويبحث من حولها بأكثر من بحث” وبين أن ” للفتوى قراءة فقهية ولها قراءة اجتماعية ولها قراءة عسكرية وسياسية واقتصادية ،لافتاً الى أن ارهاصات الفتوى مهمة جداً وقراءة الاحداث ما قبل الفتوى مهمة لفهمها.
وأشار الى أن "هناك حاجة بأن يراجع الجميع تأريخ ما قبل الفتوى ليجد أهمية صدور هذه الفتوى في وقتها المحدد وآثارها بأجمع".
وأضاف أنه"كان لا بد من الحنكة والدقة والحكمة في التعامل مع هذا الوجود الارهابي الشاذ ،وما كان غير الفتوى أن تتعامل مع هذا الوجود أصلاً ،لهذا فهي امتازت بهذا القرار التاريخي".