ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
متابعة- واعمن يتطلع إلى أسواق النفط بشكلها الراهن وكيف تزاحمت أسعار النفط فيها حول نقطة التعادل وهي النقطة التي تعادل الأسعار التكاليف الإنتاجية فحسب أو تزيد عنها قليلا لتمثل الربح التوازني، سنجد اسلوبا غريباً في نقل القيمة أو انتقالها بأثر واضح وعلى وفق ما اشرت ذلك الجدليات الاقتصادية الماركسية للقرن العشرين حول ما يسمى بانتقال القيمة transformation of value.فالانتقال يعني كيفية إيجاد قاعدة عامة التي يتم بموجبها نقل قيمة البضاعة أو السلعة (المنتجة وعلى وفق نظرية العمل اللازم اجتماعيًا كمصدر للقيمة) إلى الأسعار التنافسية في الأسواق، أي الانتقال من مرحلة خلق القيمة إلى مرحلة تحقيق القيمة. ولما كانت نسبة العمل إلى راس المال تختلف من إنتاج سلعة أو بضاعة إلى أخرى، فكيف يمكن تسوية هذه المسالة لبلوغ متوسط ربح على راس المال المستثمر كله. فطالما ان كثافة راس المال إلى العمل في الصناعة النفطية على سبيل المثال عالية جداً فإن ثمة مشكلة اثارتها المدرسة الماركسية لمثل هذه الحالات. فالبدايات النظرية استندت إلى المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد وبالتحديد الاقتصادي ديفيد ريكاردو ١٨٣٢ حول القيمة المطلقة والقيمة التبادلية في كتابة الاعمال والمراسلات/الفصل الرابع، موضحاً ان حصة الربح ستبقى منخفضة بسبب كثافة راس المال مقارنة بالعمل. وهنا سيتولد التناقض بين تحليل عملية خلق القيمة وتحقيق القيمة عند الانتقال إلى الأسعار التنافسية في سوق النفط على سبيل المثال.
فلم يفترض الاقتصادي ديفيد ريكاردو ان العمل لوحده يحدد السعر ولكن بيَّن أيضاً ان قضية الأرباح في الصناعات كافة يجب ان تكون متساوية. ولكن يلحظ إذا ما جاء مصدر الربح من العمل فحسب، فإن الصناعة الكثيفة العمل ستمتلك ارباحاً اعلى وهذا يتعارض مع ريكاردو نفسه أيضاً.
ومنذ مطلع القرن التاسع عشر لوحظ ان ثمة نواقص خطيرة في نظرية ريكاردو آنفاً ما ادى إلى استبعادها.
ومن خلال النقاشات الجدلية النظرية التي وردت في كتاب كارل ماركس رأس المال ولاسيما الجزء الثالث[1] والنتائج التي خرج بها الاقتصاديون في القرن العشرين بما فيها المدرسة الريكاردية الجديدة New Ricardian أمثال ليونتيف[2] وسرافا[3] في كتابه الشهير (إنتاج البضائع بالبضائع ١٩٦٠) وتبسيط قضية الربح بكونه مقارباً لفائض القيمة الماركسية من خلال معادلة خطية بسيطة، لكن الغريب في الأمر ان ميلان معدل الربح نحو الانخفاض كما جاءت بها النظرية الماركسية تختلف من سوق إلى أخرى أو بين الأسواق بلوغاً إلى قطاع المستهلك.
فالأزمة النفطية العالمية الراهنة بينت بالتدريج ان السعر التنافسي، أو العادل -لبرميل النفط الخام لا يؤدي إلى انخفاض معدل الربح الكامن average potential profit الذي يجب ان يحصل عليه المنتج الرئيس والذي يتعرض قسراً إلى قضية انخفاض متوسط الربح. فقد هبط سعر برميل النفط الخام خلال ٥٢ شهر اً مضت من ٧٢ دولار للبرميل نزولاً في السعر إلى نقطة التعادل (أي ان سعر البرميل في السوق التنافسية يساوي كلفة الإنتاج) ليبلغ سعر برميل النفط من (خام برنت) على سبيل المثال إلى اقل من ١٥ دولار ذلك في نيسان ٢٠٢٠ قبل ان تعاود السوق ارتفاعها لتبلغ اليوم نصف عافيتها وتقترب أسعار النفط من ٣٥ دولار للبرميل الخام نفسه.
فالأزمة النفطية الراهنة أفصحت ان السعر التنافسي العادل لا يؤدي إلى انخفاض متوسط الربح الفعلي actual عن متوسط الربح الكامن average potential profit من منظور انتقال القيمة transformation of value. بعبارة أخرى، فإن تدهور معدل الربح قد اقتصر في سلسلة تحقيق القيمة على حساب المنتج الرئيس صاحب المصلحة في الإنتاج. اذ اظهرت اسواق النفط ان قواها الفاعلة هي التي تبحث عن تحصيل متوسط الربح الكامن average potential profit من خلال عملية (نقل القيمة) وإظهار دور السوق التنافسي الصريح حتى يتطابق فيه متوسط الربح الكامن مع متوسط الربح الفعلي. ورب سائل يسأل: من هي القوى الفاعلة لتحريك دواليب نقل القيمة من المنتج إلى أسعار السوق التنافسي للنفط الخام (في أسواق نفطية تعاني من حرب الاسعار price war)؟
والجواب هي سوق التخزين inventory market وفي مقدمتها مخازن ناقلات النفط التي امست اداة لمطابقة متوسط الربح الفعلي بالربح الكامن للمنتج النفطي. وهنا تؤدي الناقلات بكونها خزانات تحتفظ بأكثر من ٥٠ مليون برميل من الفائضات النفطية الحالية اصبحت كقوى تصحيح وانتقال للقيمة من خلال قيمة الخزن أو الاستثمار الزمني للخزين value inventory forces. وبهذا فإن تلك الناقلات (المخزنية) أخذت تحتفظ بنحو نصف حاجة العالم للاستهلاك اليومي، ما جعل الناقلات المخزنية قوى تتحكم بالربح الكامن والتقارب من سعر السوق التنافسي من خلال تنظيم العرض وتسويقه من أعالي البحار. فعلى الرغم من الخسائر التي تعرض اليها النقل البحري الا ان تلك (السفن المخزنية) تسببت بجني متوسط أرباح يومية تقدر بنحو ٢٠٠ الف دولار للسفينة الواحدة بدلاً من ٤٠ الف دولار في عام ٢٠١٩ وهي في طابور الانتظار لكون أسعار النفط التي ابتاعت على ظهورها كانت ربما دون نقطة التعادل أو قريبة منها، مما سوغت لمالكي النفط الانتظار في اعالي البحار وتحويل معدل الربح الفعلي ليساوي معدل الربح الكامن عبر عملية من التداخل الزمني لعملية انتقال القيمة inter temporal process of value transformation فانتظار السفن في السواحل الآمنة حاليا ولمدة اقل من شهر على سبيل المثال قد عظم من سعر برميل النفط التنافسي بنسبة ١٠٠٪.
وهنا تجري أول عمليات نقل القيمة إلى السعر التنافسي أي تحقيق القيمة لبلوغ السعر العادل لبرميل النفط بعد خلق القيمة في مرحلة الإنتاج لدى المنتجين الاكفاء وتحقيق الربح الفعلي ونقل الربح الكامن كي يظهر كفائض قيمة في الاسواق البحرية. وإذا ما اضفنا الضرائب المفروضة على النفط المورد إلى اسواق الاستهلاك الرئيسة عندها ستتحقق نظرية الانتقال الماركسية للقيمة أو تكتمل صورة نظرية انتقال القيمة وبلوغ الحد الربحي الحقيقي الذي يوازي الربح المحتمل في عملية تجزئة الريع النفطي والاستيلاء عليه. أي انها عملية انتقالية ولكن تتجسد بفائض قيمة أو ريع تحقق بصورة مثلى عند الإنتاج لقاء قيمة منتج نفطي تم توليده أو خلقه بصورة ربح فعلي ولكن يحمل بذور الربح الكامن أو بكونه فائض قيمة (كامن) ونقله إلى حقائق السعر العادل للأسواق التنافسية للنفط. وهي عمليةُ انتقال (كامنة) للقيمة خلّفتها حرب الأسعار.
واخيراً، يمكننا الاستنتاج، ان نظاماً من التعاقب الزمني inter temporal لبلوغ الربح التوازني جراء نقل القيمة الكامنة بين الاسواق والتي في مقدمتها السوق المخزنية للنفط بأشكالها كافة، تمثل إنموذجاً حياً يجسد نظرية انتقال القيمة الكامنة إلى القيمة الفعلية عبر سلاسل تسويق وعرض نفطي متعددة ليتطابق في النهاية قيمة المنتج الكامن بالسعر التنافسي العادل للنفط.
ختاماً، نستنتج انه إذا كان فائض القيمة يمثل جوهر استغلال العمل المبذول اجتماعيًا في توليد القيمة، فإن نظرية انتقال القيمة transformation theory للنفط تمثل جوهر استغلال فائض القيمة وتقاسمه في تعاقب زمني للأسواق بلوغاً إلى السعر التنافسي العادل في آخر سلسلة للتبادل. فنظرية الانتقال تبين كيف يجري نهب الفائض الاقتصادي للشعوب بتحويل الفائض الكامن لقيمة المنتج إلى فائض فعلي ومنها القوى المخزنية الجديدة new inventory forces حتى بلوغ الاسواق التنافسية للطاقة لتتطابق فيها القيمة الفعلية للمنتج مع السعر التنافسي العادل ويظهر السعر الحقيقي لبرميل النفط.