عباس ثائر
قليل من الأدباء - الشعراء على وجه الخصوص- من صيّر النص الأدبي حلًا لمشكلات إنسانية تخص الوجود والفلسفة والفكر، والتناقضات الاجتماعية والنفسية، في الأدب تستطيع ان تضخّ فكرًا عظيمًا وان تغير مجتمعًا كاملًا، وان تهدم بعض من الاثار و التأثيرات الراسخة التي ورثها الإنسان دون ان يسأل حتى او يبحث او يشكك لبرهة في ذلك الإرث، استطاع بعض الكتاب والشعراء ان يفعلوا ذلك كدستويفسكي وتولستوي وتيشخوف وكافكا وماركيز وصمويل بكيت وادغار الان بو وامبرتو ايكو والمعري والمتنبي وابو التمام وابو نؤاس وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا ابو ماضي وجبرا ابراهيم جبرا وأمل دنقل ومحمد الماغوط وسواهم. يذهب الشاعر والكاتب ميخائيل في كتابه النقدي «الغربال» الى ان: الأدب الحقيقي هو الرسول بين الكاتب والقارئ وان وظيفته تنحصر في تناول الإنسان «الحيوان المستحدث» الذي هو أجدر بالعناية من سواه، وسبر أغوار النفس البشرية أي انه تعبير عن الحياة النفسية، والاجتماعية من جميع نواحيها، ولا يتخلى عن إصراره وإلحاحه على ان: (لا يخلد من الآثار الا ما كان فيه بعض من الروح الخالدة) أراد من الأدب ان يكون: (مسرحًا يظهر عليه الإنسان بكل مظاهره الروحية والجسدية) كان يرى ان من يستحق لقب الأديب او الشاعر هو:(من يزوَّد رسوله من قلبه ولبه) قيمة الأدب تظهر في استطاعة الأديب على اختراق وكشف باطنية الإنسان وكينونته الحقيقية. هذا ما يخص روح النص وجوهره، أما لغة النص فقد ابتغى ميخائيل نعيمة لان يخضعها لخدمة الإنسان بحسب قوله: (وجدت لخدمتهم ولم يوجدوا لخدمتها، وان ليس على الأرض لغة كاملة بتركيبها لتأديّة كل انفعالات النفس وتموجات العواطف والأفكار وان لا نفع من اية قاعدة لغوية الا بقدر ما ترفع من التباس وتساعد بدقة التعبير وبالتالي فان أوسع اللغات وأجملها وأبسطها تلك هي لغة الأفكار والقلوب، اما لغة الشفاه والألسنة فسلمٌ يصعد به البشر الى لغة الأفكار والقلوب، فأبعدهم عنها أكثرهم قواعد وأدناهم منها أسفل السلم، وأقربهم منها أقلهم قواعد وأعلاهم في السلم).
فشعراؤنا، هم مصداقٌ لما سردته أعلاه، فضلوا ان يعالجوا أمور الحياة الكثيرة والنفس البشرية والفلسفة والوجوديات وسواها من أفكار ويجعلوا منها مادة لنصوصهم. لكل شاعر طريقته في التفكير والتعبير، كل يلتقط صوره وأفكاره حسب تفكيره ومنظاره الخاص. التجارب التي تناولها موضوعنا متشابه الى حد ما في الإلحاح على الوصول للنفس البشرية، وفك ألغاز الكون و الوصول لما ينفع الإنسان، فالوصول جلّ ما يعانيه البشر؛ الوقوف الطويل في طوابير العراق الموجعة قد منح شعراء النخيل والأغنيات الحزينة سمت الثبات، شعراء من العراق لهم بصماتهم الواضحة، قصائدهم تشبههم كما لو كانت ملامحهم. هذه التجارب تلتقي ببعضها البعض بعدة أمور أهمها: الاهتمام بجعل النص إنسانيًا والإصرار على ان يكون فكريًا، وطرح التساؤلات الضرورية؛ لفك ألغاز الكون والوصول لغمار النفس البشرية، والتشخيصات الدقيقة لما تعانيه المجتمعات واختلاق الدواء لها فالأدب هو الأقدر على تصحيح ما أعوج عمدًا او سهوًا. في الشعر تستطيع ان تطرح فكرًا عظيمًا وفلسفة كبرى بينما يصعب و يندر ان تبعث شعرًا كبيراً في الفكر و الفلسفة.
لنعرف رأي كل منهم؛ وجهنا لهم سؤال فلكل شاعر كما هو معروف طريقته في التفكير والكتابة والطرح؛ فالقصيدة كبصمة الإبهام لا تطابق او تشبه الا ذلك الإصبع وحده:
*كيف يُكتب الفكر في الشعر؟ وهل لك ان تعرفَ القصيدة الفكرية من وجهك نظرك؟
و ما مدى نجاح تلك النصوص برأيك؟
•قاسم سعودي
لا أعرف حقاً كيف يُكتب " الفكر " في النص الشعري مثلاً ، أظن ذلك تجده في نسيج النص الذي يبصر النور من نسيج رأس الشاعر ورؤيته ومتضاداته وتفاصيله التي تتفاعل مع منظومة الفكر والفلسفة والنشأة والتطور ، الفكر هنا هو كائن شعري يتحرك محمولاً على سحر الدهشة والبراءة والاكتشاف ولذة المعنى لثلاثية الوعي والتوتر والمغامرة ، قراءة عيون الناس مثلاً أو ملاحقة فكرة ما في طقس ما ، أو قراءة الحياة بعيون مكشوفة الظهر تتطلب الحرص وتلك النظرة الواثقة لوظيفة الشعر الأولى في الدفاع عن إنسانية الإنسان ، أظن كذلك أن " الفكر " في النص الشعري مثل مصباح أعزل على الشاعر أن يقوده للنص ليكون الضوء هناك مشاعاً ومختلفاً وحارقاً.
•مهند الخيكاني:
إن كيفية كتابة الفكر في الشعر، هذا أمر يعتمد بالدرجة الأساس على آليات الشاعر وأسلوبه وأدواته، فهي ليست طريقة ثابتة وموحدة حتى نستطيع تحديدها، وهذا الأمر ينعكس أيضا بشكل عام على تداخل المجالات الإبداعية داخل النص، أي أنه لا يقف عند الفكر وحده .
برأيي يجب أن لا نميز بين نصٍ فكري وآخر غير فكري، ذلك أن النصوص الحقيقية لا تخلو من روح المعرفة والفكر مهما كان نوعها ممزوجة بالجمال والامتاع؛ حيث إن النصوص التي تخلو من الرؤية أو الفكرة الجيدة، هي مجرد لعبة أدبية تنحصر في مجال الاتقان لأدوات الكتابة، ومن ثم كتابة الشائع والمتكرر، فلا نجد في هذه التجارب سوى أنها مستوحاة وغير أصيلة.
إن مدى نجاح أي نص أدبي هو في الحقيقة يعتمد على معايير شخصية أكثر مما هي معايير مشاعة، فكل شاعر يكتب وفق قناعاته وخبرته من سنين الكتابة، وهو بذلك يضع بصمته الشخصية داخل نصوصه، وما ان تتوافر الشروط الابداعية من أفكار عالية وطروحات ذكية مشتغلة بشكل فني متقن يكون الشاعر قد أنهى ما عليه من الصفقة التي يعقدها مع نفسه ومع المتلقي . وان اختلاف مستويات الوعي والتلقي لا تترك للكاتب بشكل عام أن يضعه معياراً أساساً للنجاح من عدمه . فنحن مرة نشهد نصوصًا بسيطة تحظى بشعبية واسعة، ومرة نشهد العكس.
•سراج محمد:
لا يوجد تاريخ لفعل التفكير بل لمخرجاته (الأفكار)، ولعل هذا ماجعل مادة الأدب محكومة بجدل الأصالة والاستنسال، يمكن القول إن الأدب الحقل الانساني الوحيد الذي يحقق ذاته خارج أطره الموضوعية، بدءًا بالتاريخ والفلسفة وليس انتهاءً بالثقافة الثالثة، إنه كما يقول بارت: يتكلم لكنه لم يكن يكلم نفسه، ولهذا فإن استدراج الفكري داخل الشعري أمر متعلق بأدوات النص وليس بغائيته، لأن الشعر سيبقى فعلا خاصا بحدوده النقدية، غير أن القصيدة بوصفها شكلا ومجموعا من التقنيات قابلة لاحتواء الفكري وتجييره لصالح الشعر، ذلك الصوت الذي لا يدري من أين يأتي بالحقائق!
•ميثم العتابي
قد تبدو الفكرة مثالية حين نقول أن الشعر يولد وينمو في بيئة طفولية محضة، فهل يمكن أن نتصور أن الشعر يولد حقاً بعيداً عن الفكر؟ ربما إذا تداخل الفكري بالشعري فسد الشعر، غير أن الأساس البنيوي لأي شاعر وامتلاكه لأدوات الكتابة هو الفكر، على أن لايقحم الأخير في النص الشعري، فهو (الشعر) كائن محلق بجناحين خفيين، لا يمكن له أن ينمو وسط القوانين التي تضعها المادة (الفكر) والمرتبطة بشكل وثيق بالـ (العقل) وهذان الأخيران، قد يميلان إلى تفسيرات منطقية والبحث عن أجوبة، في الوقت الذي يثير الشعر الأسئلة ولايلتفت إلى التفسيرات أو الأجوبة ويكون شغله الشاغل الإكتشاف ورمي الحجر في البركة الساكنة. ولذا لاتوجد قصيدة فكرية بمعناها الاصطلاحي، بقدر ما نجد هناك تهويمات ربما عجز أصحابها وشق عليهم الإمساك بالمفردة طواعية، لذلك نجدهم خلقوا من هذه النصوص كتلة من التعقيد والاشتغال اللغوي غير المبرر. وهم بذلك ابتعدوا عن جوهر الشعر وجمرته، واقتربوا من فذلكة اللغة مرّة، والإفراط في الهذيان مرّة أخرى
•حسين هليل
حين يولد الشاعر يولد ذكاؤه معه ، التجارب وحدها كفيلة بصقل موهبته
هناك أشياء في أعماقنا تدفعنا للميل نحو كل ما هو مختلف في عوالمنا.
الشعرية تجعلنا ننظر نظرة الفيلسوف للأشياء الموجودة
انا من مؤيدي نظرية ( انا أفكر إذن انا موجود)
بإمكاننا إبدال كلمة (أفكر) بكلمة (أشعر)
فهما وجهان لعملة واحدة.
القصيدة الفكرية هي التي تصحح المسارات الخاطئة لدى مجتمعاتنا،
نجاحها مرهونٌ بالتغير الإيجابي الذي تدركه الأرواح بوضوح.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام