ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بغداد – واع
اكد رئيس الجمهورية، برهم صالح، في كلمته على هامش منتدى دافوس ان المرجع الاعلى السيد علي السيستاني لعب دوراً حاسماً جعل العراق يعبر لبر الأمان، فيما اشار الى ان إنه لأمر مدمر ومؤلم من أن أعمال العنف التي يرتكبها الخارجون عن القانون أدت إلى مقتل أكثر من 600 من المتظاهرين الأبرياء السلميين - معظمهم من الشباب الذين ولدوا في التسعينيات وما بعدها – فضلا عن العديد من أفراد الأمن.
فيما يلي نص الكلمة
أصحاب الفخامة، سيداتي وسادتي
إنه من دواعي سروري أن أكون هنا في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي ممثلا لبلدي.
لقد أصبح هذا التجمع، في ظل القيادة الحكيمة للأستاذ كلاوس شواب، الحدث الأول في العالم لمواجهة التحديات العالمية والإقليمية.
ومنذ المنتدى الاقتصادي العالمي الأول في عام 1971، فقد أظهر المنتدى ما هو ممكن عندما تلتقي معاً الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني وكبار مفكري العالم من أجل إيجاد حلول للمشاكل العالمية الأكثر إلحاحاً.
ويظهر ما يمكن تحقيقه من خلال العمل المشترك والغرض المشترك والعزم المشترك.
وهو مكان للحوار الجاد حول كيفية تحقيق أهدافنا الأكثر طموحاً ....
لن يندهش أحد في هذه القاعة حين أقول بكل صراحة: هذه أوقات عصيبة بالنسبة للعراق.
يتظاهر المحتجون، ومعظمهم من الشباب العراقي، في الشوارع منذ نحو أربعة أشهر، واضعين حياتهم على المحك للمطالبة بالتغيير، ولديهم رغبات عميقة ومطالب بفرص اقتصادية وأخرى لوطن، وأن يجعلوا أصواتهم مسموعة ومستجابة.
وفي ذات الوقت، يهدد تصاعد الصراع الإقليمي سيادتنا، فنحن في عين العاصفة.
لدي ثقة في أن العراق يمكن أن يرتقي إلى مستوى هذه التحديات، بدلاً من أن يقع فريسة لها. ما يزال بإمكاننا أن نظهر كبلد أفضل وأقوى وأكثر تماسكاً وازدهاراً.
في خطابي في نيويورك أمام الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول من العام الماضي، وضعت رؤية للأمل والازدهار لمستقبل العراق والشرق الأوسط. وفي الوقت الذي ندرك فيه هشاشة الاستقرار والأمن اللذين تم تحقيقهما بشق الأنفس في ذلك الحين، إلا أنه كان لدينا الكثير مما يحدونا الأمل بشأنه.
لقد تم هزيمة آفة داعش في العراق، بفضل تضحيات القوات العراقية الباسلة والجيش العراقي والحشد الشعبي والبيشمركة والوحدات الأخرى وبدعم المجتمع الدولي.
لقد وقف العراق على أعتاب حقبة جديدة، حقبة يمكن أن تشفى فيها أخيراً الجروح الداخلية، حيث يمكننا أخيراً الانتقال من العقود الماضية من الحروب والعقوبات والفظائع، وحيث يمكننا العمل بشكل جماعي نحو الحيوية الاقتصادية والاجتماعية التي يستحقها حقاً العراقيون.
لقد كانت رؤيتي آنذاك، وما تزال، بالنسبة للعراق - الذي يقع في قلب الشرق الأوسط - أن يكون قوة للاستقرار وجسراً لمزيد من التكامل الاقتصادي في المنطقة.
لقد ذكّرتنا التوترات المتصاعدة بين إيران ودول الخليج والولايات المتحدة خلال الشهر الماضي بأن طموحاتنا تظل عرضة للنزاعات السياسية الخارجة عن سيطرتنا وللتدخل الأجنبي غير المرحب به.
نسعى إلى علاقات جيدة مع الجميع، وليس لدينا مصلحة في الانجرار إلى صراعات ليس من خيارنا وصنعنا.
إذا ظل جيراننا وحلفاؤنا على خلاف، ولم تُحترم سيادتنا، واستُخدمت أراضينا كساحة للمعركة، حينها لا يمكننا أن نأمل في تحقيق أجندة التغيير الخاصة بنا.
يدين العراق بالامتنان للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لا سيما للدعم العسكري والاقتصادي الذي قدمه، وما زال يقدمه هذا التحالف، في الحرب ضد داعش. لقد كان التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة أساسيا في اتاحة القوات العراقية بالظهور منتصرة في تلك المعركة الوجودية.
لكن إيران لعبت أيضاً دوراً محورياً في الحرب ضد داعش، ونحن نتشارك مع الجمهورية الإسلامية روابط عريقة من الجغرافيا والموارد المائية والاقتصاد والدين.
ترتبط علاقات العراق ومصالحه أيضا ارتباطا وثيقاً بعمقه العربي - وغني عن القول أن لتركيا الجارة الشمالية تأثير كبير على مصالحنا، وكما ترون، ان الجغرافيا السياسية للعراق إلى حد ما مثيرة للاهتمام وصعبة وحيوية على أقل تقدير.
ليس من مصلحتنا أن نختار التحالف مع أحد على حساب الآخرين طالما يحترم كلاهما سيادتنا واستقلالنا.
لكن لا ينبغي لأي دولة السعي للإملاء على العراق مع من يجب أن تكون لنا علاقات وكيف. يجب أن تكون سياساتنا وعلاقاتنا الدبلوماسية والاقتصادية، مدفوعة بمصالحنا الوطنية، وليس بمصالح الآخرين، بل وحتى مصالح حلفائنا. إن سيادة العراق واستقراره يجب أن تكون المصلحة المشتركة لجيراننا وشركائنا الدوليين.
كما يجب ألا نعاقب على حماية مصالحنا السيادية أو السعي لتعزيز استقلالنا العسكري. إن دعوة البرلمان العراقي الأخيرة لسحب القوات الأمريكية من بلادنا ليست علامة على الجحود أو العداوة، بل إنها ردة فعل على ما يراه الكثير من العراقيين انتهاكات لسيادة بلادهم، وسيتم حل هذه القضية من خلال الحوار الذي يجب أن يكون في صميمه سيادة العراق واستقراره.
أصحاب الفخامة، سيداتي وسادتي،
لن يكون الأمن والازدهار في العراق ممكنين ما لم يجد الشرق الأوسط برمته وسيلة لتجاوز عدم الاستقرار والصراع. إن ويلات العنف والمواجهة التي لا هوادة فيها لا تجلب سوى المعاناة لشعبنا، مما يسلبهم المستقبل الذي يستحقونه.
ما زلت أعتقد أن العراق يمكن أن يكون حافزاً للتغيير الإيجابي، والأمر لا يتعلق فقط في أن البلاد كانت، منذ عهد بلاد ما بين النهرين، مهداً للحضارة وبوتقة تنصهر فيها العقائد والطوائف والأعراق المختلفة. وثمة دول قليلة واجهت أهوال الحرب والقمع العنيف والهجمات الكيماوية والمقابر الجماعية والعقوبات وإراقة الدماء على أساس طائفي وإثني كما الحال في بلدي، وقليلون يتوقون إلى سلام واستقرار أكثر.
لقد علمتنا هذه التجارب المريرة أنه على الرغم من اختلافاتنا، هناك ما يربطنا ببعضنا البعض أكثر مما يفرقنا. ويشكّل المحتجون علامة أخرى على ذلك – هم يظهرون يومياً وطنيتهم والتزامهم بالعراق في شوارع بغداد.
لدينا أحلام مشتركة، ومصلحة متبادلة في التعاون من أجل تحقيقها.
لقد تعلمنا أنه لا يمكننا تحقيق هذه الأحلام بشكل حاسم إلا إذا اتحدنا في هدف مشترك وبأغراض مشتركة.
وهذا درس لمنطقتنا أيضاً، فالرخاء يعتمد على القضاء على التطرف وتعلم الرحمة والشمولية.
وذلك يعتمد على بناء الجسور وليس صفع الأبواب.
هناك حاجة إلى أطر إقليمية للتعاون الأمني والاقتصادي والتجاري توفر السبيل للحوار السياسي وحل النزاعات بين الخصوم، وينبغي أن نسعى لإيجاد الحلول الخاصة بنا فيما يتعلق بمشاكلنا الخاصة.
وهذا ما يطالب به عشرات الآلاف من الشباب العراقي في احتجاجات سلمية في شوارع بغداد وغيرها من المدن، والتي بدأت منذ نحو أربعة أشهر.
إنه لأمر مدمر ومؤلم من أن أعمال العنف التي يرتكبها الخارجون عن القانون أدت إلى مقتل أكثر من 600 من المتظاهرين الأبرياء السلميين - معظمهم من الشباب الذين ولدوا في التسعينيات وما بعدها – فضلا عن العديد من أفراد الأمن. وانني أدين هذه الجرائم/ الأفعال بأشد العبارات، وسيتم التعامل مع مرتكبيها وفقا للقانون. العدالة والأمن أساس الدولة والمجتمع – بالنسبة للبلاد، وان الاحتجاج السلمي حق أساسي.
يحتج الشباب العراقي من أجل حياة أفضل، ووطن، ومزيد من الوظائف، وتحسين الخدمات، ووضع حد للفساد الذي أصاب بلادنا بالشلل منذ فترة طويلة. إنني أريد الشيء ذاته لهم.
إنهم يريدون أن تكون الوطنية العراقية شاملة، ولا تنقسم وفقا للهوية الطائفية.
إنهم يريدون نظاما سياسيا ديمقراطيا يعكس هويتهم الجامعة ويستعيد كرامتهم. إنهم يريدون انتخابات حرة ونزيهة.
وهذا هو تحول الأجيال الذي يعكس التوق إلى ما هو أفضل، وإلى أكثر من ذلك.
لن تكون هذه عملية سهلة. ولا يمكن أن تتحقق بين عشية وضحاها.
نحن بحاجة إلى استعادة ثقة العراقيين في حكومتهم وإعادة النظر في قوانيننا ودستورنا لنرى كيف يمكن القيام بذلك من أجل تجديد وتعزيز الروابط بين القادة العراقيين وأبناء شعبنا، والسماح للأول لتمثيل الأخير بشكل كامل.
نحتاج أيضا إلى تهيئة الظروف للنمو الاقتصادي المستدام ولخلق فرص العمل لشعبنا الفتي والمتزايدة أعداده بشكل سريع. إن بطالة الشباب متفشية بالفعل، وسوف تزداد سوءاً إذا لم نوفر لشبابنا التعليم والمهارات التي يحتاجونها لتحقيق النجاح.
إن 65٪ من سكان العراق البالغ عددهم 38 مليون نسمة هم دون سن الثلاثين. في بلدي هناك أعلى معدل للخصوبة بالشرق الأوسط، وسيزداد عدد سكانه بنحو مليون شخص في السنة خلال العقد المقبل.
وان هذه الحقائق الديموغرافية والاقتصادية لا يمكن إنكارها عن طريق التعامل مع الوضع الراهن.
لا تستطيع الدولة العراقية القيام بذلك بمفردها، فالقطاع العام منهك بالفعل، ونحن بحاجة إلى تعزيز قطاعنا الخاص الذي ما زال ناشئا، وأتطلع إلى أولئك المجتمعين هنا اليوم للقيام بدورهم من خلال جلب الاستثمارات الأجنبية والمهارات إلى العراق.
نتفهم أن لدينا دوراً حاسماً في جعل ذلك حقيقة واقعة. فإننا بحاجة إلى أن نصبح دولة يتمتع فيها العراقيون والأجانب بالثقة للاستثمار على المدى الطويل، وحيث يشعر القطاع الخاص بالتمكين.
وعلى هذا النحو، يتعين علينا إنشاء الأسس القانونية والتنظيمية لحماية المستثمرين وتحرير الأسواق.
وغني عن القول، يجب مواجهة الفساد - فهو السرطان وهو الاقتصاد السياسي للصراع وعدم الاستقرار السياسي.
كما يجب إرساء الحكم الرشيد وسيادة القانون في الممارسة العملية، بدلاً من مجرد أن تكون شعارات كلامية، تتكرر إلى ما لا نهاية ولكن لا يتم اتباعها مطلقاً.
لقد استفدنا طوال هذه الأوقات الصعبة من حكمة وتوجيهات المرجعية في النجف، لا سيما سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي كانت لقيادته في أحلك أيامنا أمر حاسم، وقد ساعدت في إيصال العراق إلى شواطئ أكثر أماناً. أنا متأكد من أنني أتحدث نيابة عنكم جميعا عندما أقول إنني أصلي من أجل شفائه السريع من العملية الجراحية الأخيرة.
أخيراً، نحتاج إلى إعادة بناء وتحديث بنيتنا التحتية لإنشاء الأسس اللازمة للنمو الاقتصادي.
ما تزال إعادة بناء وترميم المناطق التي دمرت في الحرب ضد داعش تشكل أولوية. لكن إذا أردنا تحقيق إمكاناتنا على المدى الطويل، يجب علينا أن تتجاوز طموحاتنا إلى أبعد من ذلك.
نحن بحاجة إلى موانئ جديدة وشبكات طرق سريعة وسكك حديدية ومطارات ومدن صناعية وسدود. نحن بحاجة إلى مشاريع جديدة لاستصلاح الأراضي والري. كما نحن بحاجة إلى الدعم لتدريب جيلنا الشاب ليكونوا مواطنين منتجين في اقتصاد القرن الحادي والعشرين النابض بالحياة.
لا يمكن للعراق القيام بأي من هذا بمفرده. وإن استثمارات رؤوس الأموال والخبرات اللازمة على حد سواء ستكون ضخمة. مرة اخرى، يتطلع العراق إلى المؤسسات المالية الدولية والبلدان المانحة وصناديق الثروة السيادية والقطاع الخاص الدولي - بمعنى آخر، إليكم جميعاً – لأن تكونوا شركاء لنا.
أود أن أترككم بهذه الأفكار النهائية
وكما قلت، إنها أوقات عصيبة بالنسبة للعراق والمنطقة.
ولكن تحقيق الاستقرار في العراق ورسم مسار للسلام والازدهار يعد خطوة حاسمة للقضاء على التطرف والصراع الذي يصيبنا جميعاً.
لقد أنعم الله علينا بالعديد من المزايا ونحن نتصدى لهذه المهمة، فالعراقيون بمختلف خلفياتهم هم شعب مصمم وصامد عاش عقوداً من العنف والحرمان دون التنازل عن كرامته أو روحه. وحقاً، إننا ننعم بالمرجعية في النجف التي كانت مرساة للاعتدال والتسامح والإصلاحات - وفي الواقع للتأكيد دائماً على السيادة العراقية.
وبينما أنظر إلى هذا الحضور، أرى العديد من الأصدقاء والحلفاء الذين أعرف أنهم يشاركوننا رؤيتنا. وآمل مخلصا أن تواصلوا الدعم لمساعينا.
نحن العراقيون نعلم في نهاية المطاف أن المستقبل يكمن في أيدينا، لكننا ممتنون أيضا للمساعدة التي يقدمها شركاؤنا، في الشرق والغرب، ونعلم أن التزامهم تجاهنا أمر حيوي لنجاحنا.