تحقيقات وتقارير
بغداد-واع -حسين محمد الفيحان
يعود تاريخ المسحراتي في بغداد الى عهد الخليفة الناصر لدين الله العباسي قبل أكثر من عشرة قرون ..ومنذ ذلك التاريخ يحافظ البغادة على هذا التقليد ويعدونه أحد الرموز المهمة خلال رمضان ..فهم لا يتصورن مرور رمضان بدون دقات طبل المسحراتي..وصوته العذب لينبه الصائم نحو السحور، على الرغم من تطور الزمان و تعدد وسائل الاتصالات و تزايد انواع المنبهات الموسيقية والقرانية .
الاعتزاز بالموروث الشعبي و بعادات و تقاليد شهر رمضان , يجعل البغادة متمسكون بالمُسحراتي الذي نعرفه جميعا بـ (ابو الدمام) او (ابو طبيلة) , و الذي يمارس عمله في كل رمضان تطوعاً وللحفاظ على إرث أجداده .
_ الحاج ابو احمد , مُسحراتي منطقة الفضل ببغداد يقول لـ(واع) : "هذا الدمام ورثته من ابي الذي كان مسحراتي (مسحرجي) ايضاً , وكنت صغيراً مع اخوتي نرافقه في الخمسينيات و الستينيات , فكان الناس يخرجون من بيوتهم ليشاهدونا و نحن ننقر الدمام لإيقاظهم لوقت السحور , حتى ورثته منه , قبل اكثر من ثلاثين عاماً و الى اليوم , انا ازوال هذا العمل سنويا" 'مشيراً الى ان " عملنا هذا تطوعي لا نبغي منه سوى الاجر و الثواب , فيبدأ عادة من الساعة الواحدة ليلا و حتى وقت اذان الفجر ".
و أضاف " انقطعناعنه خلال سنوات تردي الوضع الأمني , ثم عدنا اليه حيث كانت دوريات النجدة و رجال الشرطة يساعدونا في مزاولة العمل لايقاض الناس للسحور , وبعد ان استتب الامن و الامان , بفضل الابطال من قواتنا المسلحة، عدنا بكل حرية لممارسة عمل المسحراتي ".
وتعود ممارسة (المسحراتي) في اصولها الى مرحلة الدولة العباسية , كما يتحدث لـ(واع) عن ذلك استاذ التاريخ العباسي الدكتور عباس جبير سلطان, قائلا :
"فى بغداد عاصمة الخلافة العباسية كان (ابن نقطة) هو الشخص الذي يتولى ايقاظ الخليفة العباسي (الناصر لدين الله) لتناول طعام السحور ، وكان ينشد شعراً شعبياً يسمى (بالقوما)من قوله (قوما تسحر قوما) ، ولما مات المسحراتي (ابن نقطة) ذهب ابنه وكان له صوت جميل ووقف تحت قصر الخليفة (الناصر لدين الله) وأنشده قوله : يا سيد السادات .. لك في الكرم آيات .. أنا ابن نقطة .. تعيش أبويا مات. وأعجب الخليفة بحسن بيانه وشدة إيجازه فأحضره وخلع عليه الهبات ومنحه راتباً ضعف ما كان يعطيه لأبيه" .
ويضيف سلطان "كان نساء الطبقة المتوسطة فى العصر العباسي يضعن قطعة من النقود المعدنية داخل ورقة صغيرة ملفوفة ويشعلن النار بطرفها ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتي حتى يرى مكانها ، وما أن يأخذها حتى يرتفع صوته بالدعاء لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة" .
_ وخلال عمل المسحراتي بواجبه التطوعي في ازقة وشوارع العاصمة بغداد بعد منتصف ليالي شهررمضان يستوقفه الناس من اجل منحه المال , فيعتذرعن أخذه , مؤكدا انه لا يمارس مهنة بل يسهم في احياء تقليد تراثي مستمر , لكنه يرحب بما يقدمه له الناس من شراب و طعام للسحور كونه يبقى حتى وقت اذان الفجر بمزاولة عمله .
و يرى البعض أن عمل المسحراتي , اصبح غير ضروري مع تقدم التقنية و التكنلوجيا الحديثة , لكن اغلب سكان العاصمة بغداد يقولون انهم لا يتصورون ليالي شهر رمضان بدون (المُسحراتي) الذي يعتبرونه جزء من تراثهم .
يقول المواطن عدنان هاشم من بغداد لـ(واع) : ان" المُسحراتي هو تأريخ , فلا يمكن لنا ان نعيش اجواء شهررمضان بدون وجوده , فعناوين شهر رمضان اضافة الى الصيام و العبادة , فيها طقوس اعتدنا على وجودها منها المسحراتي" .
_ ويطالب المواطن اسماعيل حمادي من أهالي الفضل المجالس المحلية "بدعم من يزاول عمل المسحراتي وإيجاد ضوابط لها لتبقى بغداد محافظة على تراثها في شهر رمضان المبارك".
, ويؤيد ذلك عضو المجلس البلدي لمنطقة الفضل ميثم رشيد , فيقول إن "المُسحراتي و طوال ليالي شهر رمضان , يجوب المناطق لأكثر من ثلاث ساعات في الليل من اجل أيقاظ الناس و المحافظة على موروث و طقوس الشهر الفضيل متحملا الكثير من المخاطر , لكن مع الاسف لا يوجد اي دعم له و ضمان لحقوقه , وهنا نطالب حكومة بغداد المحلية ومجلس المحافظة فيها بتشريع قانون يقدر و يثمن اصحاب هذا العمل و يكفل حقوق (المُسحراتي ) , عبر عمل احصائية لهم في جميع مناطق بغداد عن طريق المجالس البلدية , وتسجيلهم رسميا ".
_ ثلاث نقرات متتالية ينقرها المُسحراتي على طبله بعدها يصيح ثلاث مرات ( سحور , سحور , سحور) و هكذا حتى قبل اذان الفجر بعشرة دقائق .
_ حتى اليوم لم يكن (المُسحراتى) يتقاضى أجراً على عمله طوال شهر رمضان بل ينتظر حتى أول أيام عيد الفطر فيمر بالمنازل صباحاً ضارباً بطبلته المعهودة فيهب الناس إليه بالمال والهدايا والحلويات و يبادلونه التهنئة بالعيد .