محلي
بغداد- واع
توافق اليوم ذكرى استشهاد آية الله السيد محمد باقر الصدر على أيدي نظام البعث المباد حيث اعتقل الشهيد رغم هيبته ومنزلته الدينية، ليس في العراق وحسب وانما في العالمين العربي والإسلامي، وتمت تصفيته بأمر من رئيس النظام المجرم حيث ان القضية لم تستغرق سوى خمسة أيام، فقد اُعتقل الشهيد في 5 /4/ 1980 وأستشهد يوم 9 /4 /1980. فقد عاش السيد محمد باقر الصدر فترة صعبة وحرجة من تاريخ العراق الحديث، حيث شهد مجموعة من الاحداث السياسية، منها انقلاب عام 1968 ، وتولي صدام لرئاسة السلطة القمعية، والحرب العراقية الايرانية. لم يكن الصدر غائباً عن الحياة السياسية، فقد أصدر فتواه الشهيرة بحرمة الانتماء لـحزب البعث ، كما أنه أول من دعا إلى إسقاط نظام البعث.
سيرة ذاتية
السيد محمد باقر الصدر فقيه ومفسر ومفكر ، درس العلوم الدينية عند كبار علماء الحوزة العلمية في النجف من أمثال السيد الخوئي والشيخ محمد رضا آل ياسين. واستطاع أن يصل إلى مرتبة الاجتهاد في سنين مبكرة، وبدأ بتدريس العلوم الدينية في حوزة النجف.
وقد كان مؤلفاً في مجالات مختلفة، فضلاً عن تدريسه للعلوم الإسلامية، كالاقتصاد الإسلامي والفلسفة الإسلامية وتفسير القرآن والفقه وأصول الفقه، إضافة لكتابه في نظرية المعرفة،ولد الشهيد الصدر في مدينة الكاظمية في العام 1934. أبوه السيد حيدر الصدر، وأمه بنت الشيخ عبد الحسين آل ياسين.
جده آية الله السيد إسماعيل الصدر من مراجع تقليد الشيعة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
ويتصل نسب عائلة الصدر بـالإمام الكاظم. وقد عاش أفراد هذه العائلة ما بين العراق وإيران ولبنان. أخوه الأكبر وأستاذه السيد إسماعيل الصدر، وكان من العلماء المجتهدين في العراق وأخته الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)، وهي شاعرة وكاتبة ومدرسة للفقه والأخلاق، وقد أعدمت مع الشهيد الصدر.
فقد الشهيد الصدر والده وهو لايزال في سن الرابعة عشرة، وقد ترعرع في ظل حماية أخيه السيد إسماعيل الصدر وأمه.
دراسته
بدأ الشهيد الصدر دراسته في السنة الخامسة من عمره، وبعدها في السابعة من عمره التحق بمدرسة منتدى النشر الابتدائية، وأكمل جميع مراحلها الست خلال ثلاث سنوات فقط ليتفرغ للدراسات الدينية في الحوزة العلمية؛ وقد أكمل دراسة السطوح بفترة قياسية. انتقل الشهيد الصدر من الكاظمية إلى النجف الأشرف برفقة أخيه السيد إسماعيل، وحضر دروس كبار العلماء في النجف الأشرف آنذاك في الفقه والأصول، وغيرها من الدروس
الحوزوية.
كما درس الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية إلى جانبها.وللشهيد الصدر مطالعات كثيرة في مجالات مختلفة كالفلسفة والاقتصاد والمنطق والأخلاق والتفسير والتاريخ. وهو المؤسس لمنطق الاستقراء.
نشاطه السياسي
أدرك مجموعة من العلماء منهم الشهيد السيد مهدي الحكيم والسيد طالب الرفاعي والشيخ محمد مهدي السماوي وجوب أن يوجد حزب سياسي يحمل الفكر الإسلامي، ويدخل المعترك السياسي كي يحقق الأهداف المشروعة للمتدينين بالإسلام.
وبعد أن طرحوا هذه الفكرة على الشهيد الصدر، قام الصدر بتأسيس حزب الدعوة وكان هذا في خمسينيات القرن العشرين. أسس الصدر حزب الدعوة الإسلامية، وحاول أن يرسخ المعتقدات الدينية في منهج الحزب وأفراده، وحاول أن ينظم الحزب ويوسع من
نشاطاته.
وبعد خمس سنوات من تأسيس الحزب خرج الشهيد الصدر منه، وذلك لأنّه كان يرى المصلحة في ذلك. وأوصى من تبقى في الحزب أن يسيروا على نهجه.
جماعة العلماء
بعد وصول الزعيم عبد الكريم قاسم إلى حكم العراق بعد عام 1958 وتوفر الحريات الفكرية كان على العلماء أن يتصدوا للعمل من خلال برامج اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وعلى هذا قام مجموعة من العلماء في النجف بتأسيس جماعة العلماء، ومن المؤسسين لهذه الجمعية: الشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد رضا آل ياسين والشيخ محمد رضا المظفر والشهيد السيد مهدي الحكيم ولم يكن الشهيد الصدر عضواً رسمياً في جماعة العلماء في بداية تأسيسها ، كان يعمل معهم، وهو الذي كتب البيان الأول للجماعة. وكانت مجلة الأضواء التي أسست في العام 1961م صوت الجماعة المعبر عن آرائها وأفكارها. وقد كتب الشهيد الصدر افتتاحية المجلة في الأعداد الخمسة الأولى من صدورها تحت عنوان (رسالتنا).
وكذلك كانت أخته السيدة بنت الهدى تنشر مقالاتها في هذه المجلة. وفي الوقت نفسه ألف الشهيد الصدر كتاب فلسفتنا. وقد نظم هذا الكتاب في قسمين:
القسم الأول: بيان نظرية المعرفة من وجهة نظر الفلسفة المعاصرة مقارنة مع الفلسفة الإسلامية.
القسم الثاني: بيان الرؤية الكونية للعقيدة الإسلامية، ونقد عقائد المادية.كما قام بتأليف كتابٍ آخر يبين فيه النظرية الاقتصادية والمذهب الاقتصادي في الإسلام، وجاء الكتاب تحت اسم “اقتصادنا”.
تحريم الانتماء إلى حزب البعث
في الوقت الذي بسط حزب البعث سيطرته على الدولة ومؤسساتها، وعلى المدارس والجامعات وفي الخصوص في ما يخص المناهج الدراسية، تصدى الشهيد الصدر لهذه الأعمال، وذلك من خلال إصدار فتوى بحرمة الانتماء لحزب البعث، وكان يقول: أنا أريد أن يعلم الجميع أن الانتماء لحزب البعث حرام، ولتعلم السلطة بموقف المرجعية الرافض لحزبها وعقائدها.
الاعتقال والشهادة
من أجل عزل الشهيد الصدر عن الناس ، وقطع اتصال الناس به، جُعل الصدر تحت الإقامة الجبرية من قبل النظام البعثي. واستمر هذا الحصار على السيد الصدر نحو تسعة أشهر.
خلال هذه الفترة حاول نظام البعث أن يثني الشهيد الصدر عن أفكاره وأطروحاته في خصوص الثورة الإسلامية التي انتصرت على يد الإمام الخميني، ولكن الصدر ظــــل مدافعا عـــــــن الثــــورة الإسلامية، فــــــي يـوم 5 /4 /1980 تم اعتقال الشهيد الصدر من قبل أجهزة المخابرات، ثم نقلوه من النجف الاشرف إلى بغداد. وفي اليوم التالي تم اعتقال العلوية بنت الهدى أخت الشهيد الصدر. طلب برزان إبراهيم الحسن الأخ غير الشقيق لصدام ومسؤول الأمن العام من الشهيد الصدر أن يكتب ولو بعض الكلمات ضد الإمام الخميني أو ضد الثورة الإسلامية حتى يتم إطلاق سراحه، وإذا لم يفعل هذا فسوف يقتل.
وقد رفض الشهيد الصدر هذا الكلام وقال: إنني متأهب للشهادة ولايمكن أن أفعل أي فعل لا إنساني ومخالف للدين. ولمّا يئس رجال الأمن من استجابة الشهيد الصدر لمطالبهم، قاموا بتعذيبه إلى أن مات السيد الصدر وأخته بنت الهدى من أثر التعذيب في يوم 9 - 4 - 1980 .
البيان الثالث
يعد البيان الثالث الذي وجهه السيد الصدر في فترة الحصار الذي فرضه النظام العفلقي على منزل السيد الصدر احد النصوص التي تكرس الصمود والحث على الثورة والتعايش بين مكونات المجتمع العراقي (يا أخوتي يا أبنائي من أبناء الموصل والبصرة من أبناء بغداد وكربلاء والنجف من أبناء سامراء والكاظمية من أبناء العمارة والكوت والسليمانية من أبناء العراق في كل مكان، إني أعاهدكم بأني لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً وأنكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل، فلتتوحد كلمتكم ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلطة، وبناء عراق حر كريم تغمره عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم بأنهم أخوة يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم وتحقيق مثلهم الإسلامية العليا المستمدة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
المصدر: جريدة الصباح