بغداد- واع
يباشرنا هذا التكوين الجسدي للإنسان من أنه يشغل حيزا ماديا في الفضاء، وان ما يباشرنا عيانيا منه، هو التكوين المادي الذي تعينه هيئته المحددة،واية غرابة تكوينية في الهيئة العامة للجسد، تثير الغرابة والسؤال، وربما يكون هنا، ومن خلال تعودنا على الهيكلية العامة لمعرفتنا عن الجسد، يصبح المعوق جسديا والقزم، والمريض، والمسجون، والمختل، كيانات شاذة قابلة للتساؤل، هذا لايعني انها مدانة، او منحرفة عن بنية الإنسان، ولكن لانها خضعت لفعل مغاير وغير طبيعي جعل منها تكوينات باسئلة.
مايهمنا، في كلا الجسدين المعافى السليم، والمشوه، ليس انسانيتهما، إنما قدراتهما على الكشف عمّا هو مختبئ في تكوينهم. فالإنسان يمتلك قوى ظاهرة تجسدها الحواس بعلاقتها مع العالم،وقوى مختفية لايمكن رؤيتها، تجسد العلاقة الذاتية مع الأفكار والتصورات والتخيلات، ومن خلال هاتين القوتين يرسم الإنسان عبر الجسد علاقته بالعالم المرئي وغير المرئي. العالم
المشترك حياتيا مع الكائنات الحية من حيوان ونبات وحجر وماء وهواء ونار، ومع الكائنات المتخيلة التي يستحضرها عبر الخيال والحكاية والتنبؤ والتصور ، ليجد نفسه محورا تدور عليه افلاك الوقائع والمحتملات، ومن هنا تبدأ عملية البحث عن وجودنا في هذا العالم، من أننا لسنا أحياء نتنفس ونعيش فقط، إنما نحن مسؤولون عن أنفسنا كوجود اولا وعمّا يحدث في محيطنا يخصنا ويخص الجميع ثانيا، ومن هذا الموقع الذي تشترك كل الفلسفات فيه، يصبح الإنسان عبر وعيه المعرفي مشاركا مع الآخرين حياتهم، وعبر لاوعيه المعرفي مطورا قدراته في ادراك العالم وتصوير ما يمكن أن يجعله متميزا.
ففي الجسد الإنساني اكثر من عشر قوى مختفية لم تظهر للعيان، سبع القوى تمثلها فاعلية الحواس غير الظاهرة للعيان، فما وراء الرؤية البصرية ثمة رؤية للذي لايرى تستحضر من خلال خيال المادي للأشياء، ووراء الشم ثمة ظاهرة لتمييز بين المستويات التي تصدر عنها طبائع البشر،فالوشم ارستقراطي الفعل عندما يميز بين مستويين للظاهرة الواحدة، ووراء الذوق ثمة تخيل عن القدرة الخاصة في التمييز بين الاشياء بعد اختبارها، والذوق استقراطي ايضا يتمثل في الاختيار والعيش والكلام والتعامل، ووراء السمع قوى مختفية لا تظهرها الكلمات التي نسمعها،ففي السمع درجات لاستقبال العالم، وما يظهر المخفي لاسماعنا تجسده الرؤية لحركة الحيوانات والاشجار وهي تستقبل تفاعلات الطبيعة بادراكها الحسي قبل ان نستقبلها، فدرجات الصوت لن تكون متاحة لاسماع البشر كلها، ووراء حاسة اللمس كيانات محتجبة وراء الجلد لاتكشفها المسامات واللمسات، بل تكشفها تلك التلوينات الصبغية التي تعين هوية الشخص من خلال بصمات اصابعه، ووراء الحس ما يمكن أن ندرك مالايدرك عندما نمعن النظر في الاشياء التي تكون اسفنجة في حالة ومخزنا في حالة اخرى، كالجسد حين يتفاعل مع العالم يستقبل رياحه ونوره وظلامه ويفرز ماءه وفضلاته عندما لايجدها قد استقرت على نفع.، وفي الإدراك الحاسة الغامضة ما ينبئ عن امكانية الوصول الى تصورات واقعية لم يمهد لها العقل ولا اللسان، حين نتوقع مصادفة شخص خطر على بالنا في لحظة، ليصبح الإدراك حدسا ممنهجا يدخل ابواب الفلسفة لمعرفة ما يحيط بنا من ألغاز.
أما القوى الثلاث المختفية فهي قوى العلم، وقوى الخيال، وقوى الحدوس، ففي قوى العلم نجد اجسامنا تنصاع لكشوفاته وتستقبلها دون اسئلة، بحيث يمكننا ان نوظف بقية الحواس في القبول او الرفض،فالعلاج والتعليم والتعلم والكتابة والفهم وطرق النضال ومواجهة الصعاب كلها امور خارج حواسنا لكنها تمارس حياتيا من قبل اجسادنا قبولا او رفضا، وفي الخيال يمكن استحضار الأمكنة المتخيلة والأحبة وما ينقص انسانيتنا، وما يمكننا من العيش في المستقبل، وما يجعلنا مشاركين لعوالم متخيلة يمكن للعلم ان يكشفها او يتحدث عنها، ولعل بنية الحكاية وما تؤول إليه من راحة نفسية تجعلنا مشاركين لابطالها ومغذين لمسارها عندما نجد حياتنا جزئية في تلك الحيوات المتخيلة او ما نطمح ان نناله بعد مغامرات في الحب والسفر والفقر والغنى والقوى والصحة والتمكن من قهر قوى الشر. في الحدس ما يجعل ممكنات حياتنا اليومية قادرة على التمدد والتخييل والتصور حين نجد اية مفردة في حياتنا قابلة لان تكون مثالا لغيرها ونموذجا يمكن تصوره، ومشابهة مع افعال جرى تصورها قديما او ستحدث
مستقبلًا.
قد لا نبتعد كثيرا عن التصور الذي جسدته مقولة تنسب للإمام علي(ع) "اتحسب نفسك جرما صغيرا وفيك انطوى العالم الاكبر" لتصبح حقيقة واقعية ومتخيلة عن قدرات الإنسان المعلنة والمختفية،فالجسد قارة طبيعية غير مكتشفة كلها، فيها اصقاع ومجاهل ومنحنيات ومتعرجات يسعى العلم للوصول إليها. هذه القدرات ستكون متاحة للمؤلف الأدبي الذي عليه ان يضمن بحثه عن افكاره فلسفة الوجود، فالتكوين المعرفي لفهم العالم يبقى ناقصا دون أن يكون أي إنتاج أدبي أو فني ضمن مسعى البحث عن القوى العلنية والمخفية في الوجود الإنساني، وبمثل ما للسماء طبقات لم تكتشف، وللأرض طبقات مجهولة، وللكون مفازات لم تعرف؛ للجسد الإنساني الذي يتمثل لكل هذه التكوينات مجاهل لم يتطرق إليها علم أو خيال أو حدس. والكثير من العلوم الابتدائية استلت خطواتها الأولى من الأدب والحكايات والأمراض والغرابة والأحلام، ولنا في حكايات " اج. جي. ويلز " ما مهد لاكتشاف الفضاء والطيران فيه ومن ثم غزوه والسيطرة على اجزاء منه، كل ما نتخيله في الأدب ويكون غريبا على قراءاتنا هو في مجال تصور غامض عما سوف يحدث، ولذلك سيكون من المنطقي قبول أي خروج على قواعد التأليف، ففي المغامرة أكثر من حقيقة مضمرة لم تكشف بعد.
المصدر: الصباح
رئيس الوزراء الفرنسي يعلن تشكيلة حكومته
استشهاد 4 مدنيين بقصف للكيان الصهيوني في غزة
طقس العراق.. أمطار وضباب بدءاً من الغد
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع