الروبوت يهدد الروائيين

ثقافة وفن
  • 10-03-2019, 05:56
+A -A
عفاف مطر
 
 
الربوت أو الانسان الآلي: هو ألة ميكانيكية قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفاً، إما باشارة مباشرة من الانسان أو باشارة من برامج حاسوبية، واستعان بها العلماء أول الأمر للقيام بالأعمال الخطيرة والشاقة، مثل نزع الألغام، أو التخلص من النفايات المشعة، أو القيام بالاعمال الدقيقة مثل الخرائط الالكترونية. الغريب أن فكرة الانسان الالي وكلمة "الربوبرت" ظهرت لأول مرة عام 1920، في مسرحية ( رجال روسوم الآلية العالمية) للكاتب التشيكي "كارل تشابيك". ترمز كلمة روبورت في اللغة التشيكية الى العمل الشاق، وهي مشتقة من كلمة "Robota" التي تعني السخرة أو العمل الشاق في التشيكية، ومبتكر هذه الكلمة جوزيف تشابيك أخو المؤلف كارل، الذي ابتدعها لمساعدة أخيه على ابتكار اسماً للألة الحية في مسرحيته، ومنذ ذلك الحين بدأت تستخدم كلمة ربورت في كتب وأفلام الخيال العلمي. وهو ما فتح المجال أمام المخترعين لتصبح في النهاية حقيقة حيّة واختراع يزداد تطوراً بسرعة رهيبة مع تقدم الزمن. ولقد رأى العالم المحنة التي تعرض لها عمال المصانع في كافة أنحاء العالم حين أُستُبدِلو بين ليلة وضحاها بالروبورت، فخلت المصانع إلا عدداً قليلاً منهم، ليس هذا فحسب، بل عملت وكالة ناسا على تطوير ذكاء الروبورت وارسلته الى الفضاء في أكثر من رحلة، بدلاً من رواد الفضاء البشريين. وهناك روبروت مبرمج فقط للأعمال المنزلية، ومساعدة الأطفال على تعلم لعبة الشطرنج، ويسمى هذا النوع من الروبورت، بالروبورت الاجتماعي. ومع تطور العلم السريع ولا سيّما في مجال الذكاء الاصطناعي، تنبأ "راي كيرزويل" مدير قسم الهندسة بشركة (غوغل) بأن أجهزة الكومبيوتر ستكون أكثر ذكاءً من أي انسان بحلول عام 2029. ومن هنا  بدأ الباحثون بالعمل على تطوير الربورت ليكون قادراً على تأليف الروايات والقصص! "كيفين واريك"استاذ علم المستقبليات الذي تنبأ بظهور الطائرات من دون طيار، وتحققت نبوءته، يتنبأ مجدداً بأن الربوبرت سيتمكن من كتابة وتأليف القصة والرواية. وبالفعل هناك أنظمة برمجية قادرة على تأليف قطعاً موسيقية، إذ يستطيع برنامج "إيمي" من تأليف خمسة الاف قطعة موسيقية في فترة الصباح فقط. كما استطاع برنامج "راكتر" في عام 1983 من تأليف كتاب كامل تحت عنوان (ليحة الشرطي نصف نامية) ولذي يتضمن قطعاً شعرية. وفيما يلي أهم ما يمكنه أن يهدد الروائيين، إذ ابتكر الباحثون وعلى رأسهم "سيمون كولتن" من كلية غولد سميث في جامعة لندن جهازاً اسمه (ألة ماذا لو) (What if Machine) في مجال التعليم الآلي، لابتكار الاساليب الروائية والمجازية والفكاهية. يعمل الجهاز عن طريق ابتكار سيناريوهات بمختلف الاشكال الابداعية، وانماط أدبية عديدة، من نمط والت ديزني الى نمط كافكا مثلاً، إذ تميل النصوص التي ينتجها هذا الجهاز الى محاكاة نمط كافكا في الكتابة. وذهب في هذا بعض المهتمين وعلى رأسهم مطور ألعاب الفيديو والمبرمج الاشهر في هذا المجال "داريوش كاظمي" الى حد الاعتقاد بأنه سيأتي يوماً ما تفوز فيه الروايات التي يؤلفها الروبورت بجائزة البوكر، حتى أنه استطاع ابتكار جهاز "يو مست بي" (You must be) وهو روبورت يعرض اسطراً قليلة يمكن اختيارها من قبل المبرمج، ثم يترك الروبروت بتأليف واكمال الباقي. كما أنه "الكاظمي" المولع بالروايات صاحب فكرة برنامج يطلق عليه (الشهر الوطني للاستحداث الآلي للروايات) وهو محاكاة تكنولوجية لمبادرة (الشهر الوطني لكتابة الروايات) في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن التحدي الذي يواجهه مطورو البرمجيات، في طول الرواية، فعندما تصل الرواية التي يؤلفها الروبورت الى 3000 كلمة تبدأ مشقة كبيرة في الحفاظ على تركيز القراء، حسبما يقول الكاظمي ويؤيده في ذلك البرفسور ورويك. كما أن هناك مشكلة أخرى ليس بالبسيطة أبدا، إذ أن الروبورت غير قادر على التعامل مع الشخصيات التي تختفي من السرد لتظهر مرة أخرى بعد 50 صفحة مثلاً، كما لا يتستطيع المزج بين التفاصيل الحسية؛ لكن ورويك يصرُّ على أنه يوماً سيصل الروبورت الى ذلك المستوى، وربما خلال العشر سنين القادمة فقط. ربما سيواجه الروائيون في المستقبل القريب ما واجهه العمال بدايات القرن العشرين من احالتهم الى التقاعد والبحث عن أعمال أخرى ليست لها علاقة بالكتابة مطلقاً. لكن السؤال الآن فيما لو نجح مطورو البرامج  في تحقيق احلامهم وهذا لا يبدو بعيداً على الاطلاق في ظل المعلومات والمستوى الذي وصلوا اليه حتى الآن، هل يستطيعون خلق الابداع لدى الروبورت الذي لا يملك خيالاً بالاساس، وهل سيتمكنو من جعله معبراً وموصلاً للأحاسيس البشرية؟ والسؤال الثاني، فيما لو نجحو فعلاً في كل ذلك، كيف يستطيع أن يطور الكاتب والمبدع خياله واسلوبه ليس ليوازي فقط سرعة وقدرة الروبورت في الكتابة، بل ليتغلب عليه، فبالأساس الاساليب والانماط التي غُذي بها الربورت هي أصلا موجودة، مثل نمط كافكا ووالت ديزني، وبالتالي لايمكن تغذيته بنمط غير موجود إن لم يبتكره الكاتب الانسان سلفاً. ربما يؤدي هذا الاختراع الى اعتزال الكثير من الكتّاب عمل الكتابة، لكنه سيبقي على الندرة المتفردة في الكتابة والأبداع. من يعلم؟
 
المصدر:جريدة الصباح