التـأتـأة.. مــرضٌ مــا زال يبحــثُ عــن عـــلاجٍ

تحقيقات وتقارير
  • 10-03-2019, 05:47
+A -A
كربلاء / زهراء جبار الكناني
 
تلعثمت وهي تنظر الى معلمتها التي اكتنز وجهها بحمرة الغضب بسبب كلماتها المتقطعة, لم تشعر بشيء سوى انها ارتطمت بالجدار المحاذي لها!.
اعتذرت المعلمة لوالدتها, حينما اخبرتها بانها مصابة بالتأتأة منذ صغرها وهذا ما يجعلها تصمت ولا تكمل حديثها، فاشاحت بوجهها البريء عن معلمتها التي حاولت مراضاتها ظناً منها بانها كانت تتصنع ذلك الفعل.
كانت عيون من حولها تمتلئ شفقة او ضجرا, وكثيرا ما طرقت مسامعها جملة (لتحاجوها هي بالكوه تحجي اتأتئ) من افراد اسرتها. فتلوذ بالصمت الذي بات رفيق دربها حتى اصبحت اشبه بالصماء الى ان كبُرت، وحينما قرر احدهم الاقتران بها, ذهب من دس برأسه انها مصابة بالتأتأة, فكيف ستكون لغة الحوار بينكما, فعدل عن قراره، لتقف على ناصية الوجع تحاكي المجتمع الذي تجنبها لحالة خارجة عن ارادتها.
 
التأتأة وارتباطاتها
التأتأة او التلعثم اللغوي، حالة تصيب فئة من الناس على مختلف مستوياتهم من بينهم شخصيات مرموقة في المجتمع او مبدعون في الحياة، وحتى من عامة الناس، وما زالت الدراسات مستمرة للبحث في الأسباب الكامنة للتلعثم التنموي، اذ هناك مجموعة من العوامل تلعب دوراً في هذا الشأن، تتضمن الأسباب الممكنة لحدوث الإصابة بالتأتأة او التلعثم، ولم يتسن للعلم بعد، معالجة هذه الحالة الى الان.
عبد الله كاظم موظف قال: "حينما كنت صغيرا افزعني كلب الجيران ورحت اعدو في الزقاق خائفا، من يومها لازمتني حالة التأتأة الى ان كبرت، اذ  بقي اثرها على لساني، ما زلت لا اصدق ان تلك الحادثة وما سببته لي من الخوف وانا في الخامسة من عمري تكون سببا في تلعثمي اثناء الكلام.
واضاف أنه لم تكن تشكل سببا في تخطي مراحل حياتي بل على العكس اعتاد الاصدقاء والمقربون على طريقة حديثي وكانت خير دافع لي للتغلب على اي احباط ينتابني، لأتحدى كل من قال إنها ستكون عائقا في الشروع ببناء مستقبلي.
بينما تعترف الممرضة صفاء عبد الحسين، انها تنزعج من الحديث مع هذه الفئة فهم يحتاجون لتأن وباع طويل لإتمام الجملة مبررة ذلك بقولها: أنا قليلة الصبر ولا احبذ ذلك لهذا الجأ دائما لتجنب اي حوار مع الشخص المصاب بهذه الحالة لسببين، الاول ما ذكرته اعلاه، والثاني كي لا يشعر بانزعاجي منه، فأتسبب بجرح 
مشاعره.
ويشير المحامي مرتضى خضير الى" ان المجتمع بطبيعته المتعارف عليها بنظرته الذكورية، نجد ان النساء اكثر المتضررين من هذه الشريحة، فمنهن من تكمل تعليمها وتواصل حياة طبيعية بتقبل الاخرين لها وتتحدى كل الصعاب، وهناك العكس، اذا ترافقها عقدة هذه الحالة حتى الكِبر، ويزيد الطين بله اذا رفض رجل الاقتران بها بسبب تأتأتها، اما لصعوبة لغة الحوار بينهما، او خوفا من ان تكون حالة وراثية تنتقل للأولاد.
وتابع" ان اغلب الرجال لا تعترضهم مواقف كهذه وابسطها الاقتران بزوجة المستقبل، وارى انها حالة طبيعية، متواجدة في كل الطبقات المجتمعية كما علينا تقبل الاخرين بسماتهم النبيلة، وما يمكن ان يقدموه لخدمة الاخرين والمجتمع، لا النظر الى وضعهم  الصحي او المادي او حتى الثقافي، وهذا ينطبق على الجنسين الاناث والذكور".
 
رؤية نفسية
وبهذا الصدد اوضح استاذ علم النفس الدكتور عبد عون المسعودي قائلا:"  تعد التأتأة من المشاكل التي قد يتعرض لها الأطفال والكبار، وتصيب الذكور اكثر من الاناث، ولربما ترافقهم الى مرحلة الشباب  او تختفي عند سن معين في الصِغر وبرغم عصر الحداثة الذي نواكب الا ان حالة التلعثم اللغوي لا يوجد لها علاج شاف حتى يومنا هذا.
وبحسب المسعودي هناك انواع للتأتأة  منها النمائية، والتي تصيب الأطفال نتيجة طبيعة تعليم مهارة الكلام واللغة،  اما التأتأة العصبية، فهي تنتج عن فقدان الدماغ السيطرة على الإشارات التي يتم إرسالها إلى كل من الأعصاب والعضلات، وهناك التأتأة النفسية، تصيب الذين يعانون من المشاكل الانفعالية والفكرية، والتي من النادر أن يتعرض لها الانسان.
 
أسباب الاصابة
واشار المسعودي الى  اسباب الاصابة بهذه الحالة موضحا ان العامل الوراثي هو احد اسباب الاصابة، او نتيجة استخدام العنف، أو ما يسمى بالأسلوب التسلطي في تنشئة الأطفال، إذ أن الخوف والتهديد يجعل الطفل يعاني من التأتأة، وقد تستمر معه إلى مراحل عمرية لاحقاً كما أن هناك دراسة بينت بأن تأخر نمو بعض من الأجزاء الخاصة بالكلام في المخ، يمكن ان تسبب حالة التأتأة، وللمشاكل الأسرية دور فعال فالتفكك الأسري من الأمور التي تؤثر كثيرا في كلام الطفل والخوف من الحديث مما يؤدي إلى حدوثها، وهناك بعض الامور البسيطة يمكن ان تكون كفيلة بظهور هذه الحالة مثل اجبار الطفل الصغير على استعمال يده اليمنى في حال استعماله لليسرى أثناء تناوله 
الطعام.
 
الأعراض والعلاج
وعن بوادر اعراض الاصابة قال المسعودي إن" هناك صعوبة بالغة في بدء الحديث مع الآخرين، حتى مع الأطفال الصغار، وظهور الكثير من السلوكيات، من بينها رفرفة العين ورعشة في الشفتين كما يعاني بعض المصابين من تصلبات في الحركة نتيجة عدم القدرة على الحديث مع الآخرين.
وختم المسعودي حديثة عن طرق بسيطة للعلاج اولها:
الابتعاد عن الاسلوب التسلطي، والعنف ضد الطفل وعلى الوالدين احتضانه واشباعه عطفا وحنانا واشعاره بالحماية والأمان، وكذلك عدم إجباره على استخدام يده اليمنى أثناء تناوله الطعام.
واضاف ان استمرت حالة التأتأة فترة من الزمن، فمن الضروري اللجوء الى طبيب معالج حسب اعراض الاصابة من أجل الكشف عن مشكلة الطفل والتأكد من عدم وجود مؤثرات نفسية نتيجة خوف او ضغط اسري، للبدء في تنفيذ المخطط العلاجي للتخلص من تلك المشكلة على الفور، كما ان الكشف المبكر عن الحالة يؤدي إلى سرعة التخلص منها من خلال التدريب الجيد على الحديث، لهذا يتوجب على الاسرة الاسراع في برنامج العلاج والحرص على تطبيقه، فضلا عن ضرورة اسهام ذويه في مراحل العلاج بلفظ الكلمات البسيطة التي من السهل ترديدها، ومن ثم الانتقال إلى الجمل الأكثر تعقيدا، حتى يتمكن طفلهم من تخطي  تلك المشكلة والتخلص منها، كي لا ترافقه في سنوات متقدمة من العمر.  
 
المصدر:جريدة الصباح