ثقافة وفن
بغداد - واع
تختتم اليوم في الساعة التاسعة مساءً فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب 2019 بعد رحلة ثقافية وادبية ومجتمعية ممتعة تميز فيها القارئ العراقي الذي ملأ اروقة المعرض منذ اليوم الاول وحتى الساعات الاخيرة لاختتامه. تظاهرة ثقافية هي الاوسع منذ سنوات اعادت الألق للعاصمة بغداد وهي ترحب بضيوفها من جديد لتعيد تأكيد عالميتها وحضاريتها بين مدن العالم. " الصباح" التي واكبت المعرض منذ ساعاته الاولى لترصد كل فعالياته وتستطلع آراء زواره وتحاور ضيوفه وتقابل دور نشره العربية والعالمية الكثيرة.. وتنقلها للقارئ عبر فريق عمل كان لنا هذا اللقاء مع ضيف المعرض الروائي البرتغالي افونسو كروش.
أفونسو كروش في بغداد
احتضنت القاعة الثقافية بمعرض بغداد الدولي للكتاب مساء السبت 16/ شباط، حواراً خاصا مع الروائي البرتغالي "أفونسو كروش"، بحضور واسع من رواد المعرض. وكروش الذي ولد عام 1971، افتتح الجلسة بالحديث عن مشواره الأدبي وبداياته التي كانت في القراءة والرسم والتصوير والموسيقى، كما درس الفنون التشكيلية والفنون الجميلة، عمل كرسام لكتب الأطفال وأفلام الصور المتحركة، بدأ النّشر عام 2008، وكتب (30) رواية، بعضها ترجم إلى العربية، مثل (هيا نشتر شاعراً) و(الرسام تحت المجلي) و(دمية كوكوشكا) و(الكتب التي التهمت والدي)، وحاز على جوائز عالمية عديدة.
يقول كروش إن اعماله الروائية تتحدث دائما عن المشاعر الإنسانية والموت والحياة والفن والادب، لأن القارئ وخاصة العربي يفضل القراءة للكتاب الحديثين، وأن يتجاوز القراءات الكلاسيكية القديمة، لأن الحياة العصرية متسارعة وتحتاج لكتاب يشبهها.
الروائي البرتغالي يستخدم أساليب عديدة في سياق كتاباته، منها ما تميل بشكل كبير للسخرية الهزلية، وغيرها ما يقع ضمن الكوميديا السوداء.
ويعتقد كروش عبر حديثه في الجلسة الحوارية أن الامور في هذه الحياة لا تجري ولا تحدث بطريقة مباشرة، فنحن نسمع شيئاً ونأخذ فكرة عنه، لنصطدم بعد ذلك عن الشيء نفسه وكأن فكرته مغايرة تماماً عما كنا نتوقع، لهذا تبدو الرمزية في الاعمال الكتابية مهمة جدا، وقد نحتاج إلى الترميز واستخدام الرموز لإيصال أفكارنا إلى المتلقي بدلا من الاستخدام المباشر.
اغلب الناس يعتقدون بان عنوان الكتاب غريب جدا بينما هو ليس غريبا- بحسب كروش- ففي مجتمعنا الحديث هناك الكثير من أساليب شراء الناس، الفساد مثلا، عندما تدفع مالا لأحدهم فأنت في الحقيقة تشتريه، كذلك ستفكر بحياتك انت فقط، من خلال قياس قدرة الناس من خلال المادة، وفقدان الشعور والاحساس، انت تشتري الناس أيضا في العبودية، وحقيقة من هنا من الممكن ان تشتري الشعراء وبسهولة، على حد
قوله.
يرى كروش في روايته المشهورة والأكثر مبيعاً "هيّا نشترِ شاعراً" أن كل شيء في هذا العالم قابل للتسليع والاستهلاك، وكأن المشاعر والعلاقات والناس خاضعة للسوق ولكن طريقة الشراء تختلف عند أحدهم عن غيرهم.
هذه الرواية التي تحمل فكرة متجر لعرض الشعراء بمختلف القياسات والأحجام للبيع والشراء، منهم من ينتمي بكتابته إلى عصور بعينها، ومنهم الكلاسيكي والمحدث، أيضا الكئيب والساحر والمبتهج، والشاعر المشاكس وغيره المسالم، ولكلّ منهم سعره المفترض في عالم السوق الذي يتعامل مع الشعر كشيء للزينة والإكسسوار لا كفنّ إنسانيّ أدبي، في عالم لا يهتم بالثقافة ولا يحبذ وجودها ويفضل بعضهم التخلص منها.
لأن المجتمع بنظر الروائي كروش، يضم ثلاثة أشكال من وجهات النظر تجاه الثقافة، البعض يرتعد من وجودها ويخافها، ويعدها خطيرة وتؤثر في مصالحه وسلطته، لذا فهو يحاول تهميشها أو استبعادها، وإذا أتته الفرصة المناسبة قد يقضي عليها، اقصد الثقافة.. أما الشكل الثاني فهي الشخصيات التي تشعر بضرورة وجود الثقافة لأنها تقوي من سلطته ووجوده، لذا هو يهتم بها ولكن ضمن حدود معينة.. ولكن الشخصية الثالثة هي الشخصية الجاهلة التي لا تفهم أصلا
ولا تدري بوجودها.
ويذكر أن النقاد قد اعتبروا رواية "هيّا نشترِ شاعراً" عبر دراساتهم الكثيرة ، بأنها صرخة روائية لردّ الاعتبار للشعر في عصر السوق وفجيعة الترقيم والحسابات، واحتجاج على أنّ الفنون والآداب ليست بضاعة للتجارة أو أشياء للزينة، وأنّ البشر يحتاجونها للماء والهواء في حياتهم، وهي التي تضفي على حياتهم معنى وقيمة ووجوداً وتشعرهم بإنسانيّتهم، بعيداً من الانجراف وراء نهم الربح وجشع مراكمة الثروات ومضاعفة الحسابات.
ويحب كروش كتابة الشعر، وبداياته في الكتابة كانت شعرية في الغالب.. ويقول إنني لم أفكر أصلا في كتابة الرواية، ولكن القراءة المتواصلة والكتابة الشعرية دفعتني للمرور بمراحل متسلسلة من القراءة حتى وصلت لمرحلة وقد وجدت نفسي انه من الضرورة أن اكتب الرواية، وبهذه الطريقة أصبحت
كاتباً.
أيضا كتابة الشعر بالنسبة للروائي البرتغالي بعد التواصل مع الرواية هي محطة أشبه بفترة راحة قصيرة ليعاود بعدها لكتابة رواياته، وهو يكتب الكثير من الشعر ولكنه لا ينشره دائما أو يحاول نشره بشخصيات وهمية لشعراء قام بخلقها في عالمه الكتابي، كل شاعر يكتب حالة معينة، لدرجة أن كروش قد وصل لمرحلة مع الشعر، بأن يعلن عن موت الشاعر الفلاني قبل سنتين، وهذا الشاعر هو من ضمن شعراء مخيلته الشعرية.
زيارة الروائي البرتغالي "أفونسو كروش" لبغداد هذه هي لأول مرة في حياته، ويخطط بعدما تجول فيها أن يبدأ بالكتابة عنها، ويقول عبر حديثه في الجلسة الحوارية إنه وضع الخطوط الأساسية لعمل رواية عن العراق، وستكون فكرتها أو ستتعلق ثيمتها بالضوء والبصريات التي تعود لعالمها أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم.. الروائي كروش اعتاد من خلال رحلاته السنوية أن يلم بمعالم المدن التي زارها لغرض الكتابة عنها بعد عودته، ويعتقد أن الروائي الجيد، لا يمكن أن يكتب رواية جيدة من دون أن يزور ويشاهد أماكن الرواية بشكل حقيقي
المصدر:الصباح
وواقعي.
أيضا يربط الروائي رحلاته بالطائرة مع فكرة مهمة تتعلق بجميع كتاباته، وهي أن الطائرة تحلق بعيداً عن الأرض في السماء وهذا العلو يجعل الناس وحركتهم في الشوارع والمدن تبدو بعيدة ومتناهية الصغر لدرجة أننا قد لا نراهم أصلاً.. من هنا فإن هذه المشاهد تجعلنا نفكر بالسياسات والسلطة التي لا تنظر إلى الناس أو الشعوب من طائرة من سماء، فلا ترى ولا تشعر بما يحدث.
تحدّث كروش كذلك عن رسومات قام بعرضها خلال الجلسة تتعلق بالرأسمالية التي مثلها بحصالة نقود للأطفال على شكل حيوان الخنزير وكيف تكبر هذه الحصالة مع عمر صاحبها، أو مالكها الطفل، وتكبر وهو يكبر لتصبح قصّة من دون حروف أو كلمات مجرد رسومات متسلسلة الاحداث تظهر الرأسمالية والتهامها لهذا العالم وربما ابتلاعه إلى حدّ الوصول إلى المجرات الكونية والسير مع الكواكب، فكرته هذه جاءت لفضح قسوة وانانية هذا النوع من السياسة الاقتصادية.
كما ويشعر كروش بأنه من الروائيين المحظوظين أو أصحاب الحظ السعيد، لأن أول مخطوطة كتاب قدمها لوزارة الثقافة قد وافقوا عليها مباشرة وتم طبعها، واصدارها، لكنه أيضا يتحدث عن مشكلات الكاتب مع الناشر ودور النشر، والذين في الأغلب لا يقرؤون النتاجات الأدبية، بل أن منهم من لا علاقة له بالقراءة، إذ أن نظرته للكتاب نظرة التاجر لسلعته يحكمها المال والربح فقط، وهذا الأمر بنظر كروش من الامور التي يعاني منها كل كتاب العالم عموماً.
فعاليات
وعلى هامش معرض بغداد الدولي للكتاب، جرت مجموعة من الفعاليات والنشاطات لنخبة من الحاضرين والكتاب المشاركين مع دور النشر، منها ورشة" روح بغداد" لرسم وقراءة قصة الطفل، التي اقامتها دار الكتب العلمية ودار الفراشات لأدب الطفل لمجموعة من الاطفال بمشاركة "الكاتب قاسم سعودي والكاتبه شمم بيرام والكاتبه براء البياتي" واخرين ، وتم توزيع ما يقارب 50 نسخة من قصة " فراشة الشمع" وغيرها من الكتب القصصية للأطفال مجانا.
حاضنة ثقافية
الفنان فاضل عباس، قال: اجمل شيء ان ترى البهجة على وجوه جميع الحاضرين ، المعرض اشبه بحاضنة ثقافية او عرس بغدادي، وهذا الحضور الكبير للقراء دليل على تميز هذه الدورة، نتيجة تنوع دور النشر العربية والاجنبية المشاركة فضلا عن مؤسسات ودور نشر محلية، كما ان تنوع العناوين لاسماء مهمة في الساحة الثقافية والادبية والفنية، اعطى اضافة قوية للمعرض وخصوصا الكتب المترجمة والروايات الحديثة والكتب الفلسفية، ولا اود ان انسى اهمية الحوارات والندوات التي تقام على هامش معرض الكتاب التي تعطي رؤية واسعة لما يقدمه الكاتب وكتابه للقراء.