ابراهيم العبادي
كان منظرا لافتا توجه وزير الخارجية العماني، المخضرم يوسف بن علوي، سيرا على الاقدام، ومن الابواب الخلفية، الى مقر اقامة بنيامين نتانياهو في العاصمة البولندية وارشو، فلم يعد سرا لقاءات المسؤولين العرب بالقادة الاسرائيليين، انما المهم في الامر، الجهر بالاسرار تسريبا متعمدا لطي مسافات الحواجز النفسية لدى الجمهور، وعبور موانع التطبيع التي ما عادت تقاوم تبلور الحلف العربي -الاسرائيلي الجديد، فقد ارسى مؤتمر وارشو للسلام والامن في الشرق الاوسط، البداية الرسمية العلنية لهذا الحلف، بالاعلان عن انتهاء الصراع العربي الاسرائيلي رسميا وحذفه من اجندات الحكومات العربية، في مقابل تكريس صراع متعدد الاوجه بينها وبين ايران، كانت اولى اختباراته الهجوم الانتحاري على حافلة الحرس الثوري الايراني في مدينة زاهدان المحاذية لباكستان.
الايرانيون الذين سخروا وتهكموا رسميا على الحشد الكبير الذي نظمته واشنطن في وارشو، لم ينجح خطابهم الدبلوماسي الساخر في التغطية على مخاوفهم الجدية من تنامي التسخين والتصعيد على جبهتهم الامنية بموازاة الحصار المالي والاقتصادي، تصريحات الجنرال جعفري قائد الحرس الثوري في مراسم تشييع ضحايا مفخخة زاهدان، كشفت عن لغة تصعيد عالية، محملا السعودية والامارات مسؤولية الحماية والدعم لجيش العدل البلوشي المسؤول عن الهجمات الانتحارية في شرق ايران لاسيما اقليم بلوشستان الذي تنشط فيه تنظيمات سلفية تعادي طهران، المسؤولون الايرانيون باتوا يتحدثون بصراحة عن مواجهة تقترب بشكل مكشوف مع السعودية والامارات اللتين اعربتا عن الابتهاج بما تتعرض له ايران من استنزاف مالي وامني بعدما غدت العدو الاول لطيف عربي رسمي واسع تتزعمه الولايات المتحدة واسرائيل وهو ماعبر عنه وزير الخارجية البحريني في مداخلته في مؤتمر وارشو، الاوروبيون وحدهم عبروا عن مقاربة اكثر عقلانية من الجميع، عندما ردت المستشارة الالمانية ميركل على دعوة نائب الرئيس الاميركي مايك بنس لاوروبا للانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، ووصفت الاتفاق بانه حجر زاوية متين يمكن البناء عليه لعلاقة نقدية وضاغطة على طهران وليست علاقة عداء مكشوف وتصعيد مستمر في عالم مفكك ويتعرض لتهديدات امنية كبيرة.
نجاح ادارة ترمب في بناء حلف واسع ضد ايران، بموازاة تنامي وتيرة عمليات ارهابية داخلها، تنفذها تنظيمات مسلحة متعددة، في خوزستان (الاهواز) وكردستان وبلوشستان، ولم تستثن العاصمة طهران، كل ذلك يشي بان ايران باتت في مرمى نيران متعددة، تستهدف تقويض امنها الداخلي، وحملها على التخلي عن سياستها الاقليمية، وهي المتهمة اصلا بالتمدد عبر اذرع موالية، (لبنان، العراق، اليمن)، وحضور عسكري مباشر في سوريا كل ذلك جعلها عنصرا لا يمكن تجاوزه في معادلة الامن والسلام في المنطقة، تترجمها الاجتماعات المتكررة التي تجمعها مع روسيا وتركيا لترتيب اوراق الصراع والامن في سوريا.
التركيز الاميركي الاسرائيلي بمعونة بعض الاطراف الخليجية على جعل الخطر الايراني بديلا عن معادلة الصراع التاريخية في المنطقة (الصراع العربي الاسرائيلي)، ينطوي على مخاطر متعددة الاشكال لاسيما على العراق، فالتراجع والانكماش الايراني غير وارد بسهولة، لسيادة قناعة ستراتيجية لدى الفاعلين في صناعة القرار الايراني بان اي تراجع سيعني المزيد من الضغوط وبما يشجع على اللجوء الى خيارات اكثر عنفا وخطورة ضدها من جانب اعدائها، خصوصا بعد تصريحات نتانياهو الصريحة بالعمل على اسقاط النظام بشتى السبل، المسؤولون في طهران يعرفون اكثر من غيرهم، كيف ستعمل الالة العدائية ضدهم، ربما كان حديث وزير الخارجية محمد جواد ظريف - عن احتمال ضلوع واشنطن بعمليات افشال التجارب الصاروخية الاخيرة، - احد المؤشرات التي تعني ان المواجهة باتت على صعد متعددة، تكنولوجية واقتصادية وامنية وسياسية مباشرة، لكن ماذا سيكون لهذه التطورات من اثر مباشر في جيران ايران ومناطق نفوذها وساحات وجودها العملاني؟ والعراق احد اخطر هذه الساحات وربما اهمها؟.
ايران تحتاج الى العراق ساحة تصد امامي ضد اعدائها، فهو رئة اقتصادية مهمة، وخزان بشري عسكري يمكن تحريكه بسهولة اذا ما اندلعت مواجهة مباشرة وغير مباشرة، فكل المعارك التي تكون اطرافها اميركا واسرائيل ومن والاهما وتحالف معهما، ستكون معركة مقدسة، يتطوع فيها عشرات الالاف ممن يناصبون اميركا العداء، والعراق ساحة نموذجية لتسجيل انتصار غير مباشر على اميركا وحلفائها، فالمصالح الاميركية وغير الاميركية مكشوفة ومباشرة والتحرك ضدها سهل وسريع في ظل وفرة كبيرة من الاسلحة والتنظيمات التي جعلت المعركة ضد اميركا خيارا ستراتيجيا، فأميركا هي المسؤولة عن صناعة الارهاب وتفوق اسرائيل وخراب بلدان المنطقة، هذه الرؤية التي طالما تبنتها قوى عديدة في العراق والمنطقة، يقابلها تبني اميركا وحلفائها رؤية ايديولوجية تتجاوز الوقائع والعقلانيات وتعتبر ايران الخطر الاول على مصالحها والداعم الاول للارهاب، وفي ظل خطاب دوغمائي وظيفي كهذا الخطاب، فان ايران وانصارها سيكونون اكثر انتفاعا من الايديولوجيا في معمعة الصراع. فيما سيختبر المعسكر الاميركي ادوات حرب ناعمة جديدة، واخرى خشنة، وسيكون الامن مليئا بالثغرات لكي تنتعش تنظيمات الارهاب مستفيدة من الفوضى والصراعات، فالحرب على الارهاب ستنتهي اميركيا باعلان النصر على داعش في سوريا، لتبدأ حرب جديدة عنوانها اسقاط الحكومات ذات القاعدة الايديولوجية الدينية.