بحثا عن الدفىء ومزيدا من الطعام ،تحط اسراب النوارس البيضاء رحالها قرب دجلة وسط بغداد قادمة من البلدان البعيدة خلال فصل الشتاء ،بعضها استوطن شواطئ دجلة بعد ان الف البغداديين وهم يطعمون الطيور في منظر رائع يشهده صباح كل يوم.
و تحديدا قرب جسور الاحرار والشهداء والجادرية ، يبين البغداديون ان النوارس تستقر حين تشعر بالأمان والألفة و المتعة تتزايد حينما تحلق تلك الطيور مشرعة اجنحتها تسابق بعضها البعض للحصول على قطعة (خبز) صغيرة يرميها لها الواقفون على جانبي الجسر قبل ان تصل الماء، هذا التواصل بين البغداديين والنوارس اجبر النوارس بان تنزع عنها ثوب الهجرة لتستوطن وتستقر قرب الجسور لتعانق الدفئ مع البغداديين .
الحاج حمزة الصباغ (75) عاما ،صاحب محل في الشورجة ، يقول لوكالة الانباء العراقية (واع) ، "منذ اكثر من 30 عاما و انا اقطع جسر الاحرار مشيا باتجاه محل عملي ، فعلاقة طيور النوارس مع البغداديين تمتد لعقود من السنين ، فبعد انشاء الجسور الرابطة بين جانبي الكرخ والرصافة في اربعينيات القرن الماضي وخصوصا جسري الاحرار و الشهداء ، نشأت علاقة بين البغداديين وطيور النوارس والتي بدأها البغداديين برمي الخبز وبقايا الطعام في النهر لها، حتى تطورت و اصبحت العوائل البغدادية تُحَضِر ذلك الطعام من البيت لتأتي به مجتمعة صباحا ايام الجمع و العطل او بعد انتهاء الدوام الرسمي في الايام الاعتيادية لتطعمها مستمتعة بمنظرها الجميل وهي تحلق فوقهم و حولهم".
وبين الصباغ ،ان "طيور النوارس انقطعت عن نهر دجلة خلال سنوات الحرب، وبعدها ايام المحن والتفجيرات الارهابية والتي كان لعلو صوتها مصدرا يفزع جميع الكائنات ،والان وبعد الاستقرار الذي شهدته العاصمة عادت النوارس وتكاثرت اعدادها مع تزايد تقديم الطعام لها من قبل المواطنين".
عباس عبد الرزاق ، طالب جامعي في كلية الآداب قسم الترجمة يأتي كل يوم حامل معه فتات الخبز و بقايا من لحم السمك ، ليطعمها النوارس التي يبدو وكأنها تنتظر قدومه.
يقول لـ(واع) : ورثت هذا الحب للنوارس من ابي الذي كان يقوم بهذا الدور وعندما توفي –رحمه الله- عاهدت النوارس ان اكمل مسيرة ابي معها ، فهي تحبني و انا احبها"، موضحا انه " يحصل على غذاء النوارس من مخابز الصالحية القريبة و بائعي السمك الذين يدخرون له فتات الخبز و بقايا لحم الاسماك ".
اما بائع (السميط) الذي يتخذ من جسر الاحرار موقعا لكسب رزقه فهو يقطعه لاكثر من عشر مرات يوميا ، فتحدث لـ(واع) قائلا ، ،اتي الى هنا كل يوم لا بيع السميط بين المواطنين الذين يقفون لالتقاط الصور على الجسر واغلبهم يشترون السميط ليطعموه النوارس "،مؤكدا ،أنه "يترك اخر قطعتين ليطعمها للنوارس بنفسه".
في حين ندد البعض بصيد تلك الطيور (النوارس) او التعمد بأذيتها او بيعها وهي تحل ضيفا لطيفا في اجواء بغداد ، عادين اياها بانها تمثل توازنا و تكاملا للطبيعة .
حيدر يونس (40) عاما ، استاذ بجامعة النهرين التقيناه على جسر الجادرية فتحدث عن ذلك لـ(واع) : ان "اكثر اولئك الذين يصطادون الطيور هم غير محتاجين لها في الاكل او البيع ، لكنهم يمارسون ذلك للتفاخر فيما بينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي" ،مؤكدا ،أن "هناك فصائل من الطيور نادرة جدا تأتي للبلاد في موسم الهجرة و خصوصا الى مناطق الجنوب و الاهوار ، و للأسف اذا استمر ذلك الصيد فأن البلاد ستفقد قدومها في السنوات اللاحقة لأنها تأتي بحثا عن الامان والطعام والدفئ ".
رسمت طيور النوارس في ظلالها بهجة وجمالا بأجنحتها المهاجرة لتستقر عند محطتها الاخيرة في نهر دجلة ببغداد ..
يذكر أن النوّرس هو أحد الطيور المائيّة، حجمه أكبر بقليل من الحمامة، وله جناحان كبيران، ورأس ومنقار كبيران، وعنقه قصيرة، أمّا ريشه فيختلف لونه تبعاً لعمره، وللفصل من السّنة، ولكنّ بشكل عام فالطّيور البالغة بيضاء اللون، مع بعض البقع على رأسها وظهرها حسب نوعها، وهو طائر صاخب يطلق صيحات عاليّة.
ويعد النورس من الطّيور الذكيّة، ويمتلك القدرة على التّعلم، ومن تصرفاته التي تنّم عن هذا الذّكاء هي التربيت التربة بأقدامه كيّ يخدع الديدان المتواجدة فيها بأنّ المطر يهطل، فتخرج هذه الديدان، فيلتقطها النّورس ويأكلها، كما أنّه يمتلك عدّة أساليب للتّواصل، من خلال حركات معيّنة في الجسم، أو التّحليق بأسلوب معيّن، وقد احتّل النّورس مكانة عند الأدباء والشّعراء، فكان يرمز عندهم للتّراحال، والشوق، والوحدة، فهي تسافر مسافة حوالي خمسة آلاف كيلو متراً بحثاً عن الدفء في فصول الشتاء، لتعود مجدداً عند تحسّن الطّقس.
الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع