ثقافة وفن
ندوات متنوعة وجلسات ثقافيَّة وحفلات توقيع كتب وفعاليات ثقافيَّة ومجتمعيَّة كثيرة.. هذا باختصار هو طابعُ معرض بغداد الدولي للكتاب، أشبه بخليَّة نحل لا تهدأ إلا عند التاسعة ليلاً موعد إغلاق المعرض، لتستعد ليومٍ جديدٍ أكثر ديناميكيَّة وحركة، "الصباح" التي ترصد هذه التظاهرة الثقافيَّة والمجتمعيَّة يومياً وتؤشر أنَّ إقامة مثل هذه الأنشطة الثقافيَّة والفنيَّة في بغداد يجب أنْ تستمر طيلة أيام السنة، لما لها من تأثير إيجابي في المجتمع والفرد العراقي، إذ تذهب به بعيداً عن ثقافة الحرب التي فُرِضتْ عليه لسنوات طويلة وانتصر فيها. وما على المسؤولين إلا تعزيز هذه النهضة الثقافيَّة بمهرجانات أخرى تعيدُ لبغداد ألقها الثقافي والحضاري والإنساني. استطلعت "الصباح" آراء عددٍ من زائري المعرض وماذا اقتنوا كما حضرت عدداً من الندوات التي أقيمت.
السرد النسوي في المنفى
استضافت القاعة الثقافيَّة لمعرض بغداد الدولي للكتاب كلاً من الدكتورة الناقدة فاطمة بدر، والروائيَّة هدية حسين في ندوة حواريَّة عن "السرد النسوي في المنفى"، أدارها الدكتور أحمد الظفيري الذي بدأها بتساؤل عن الفرق بين مصطلح النسوية والنسائية؟، فأجابت د. بدر: "النسوية مصطلح يدعو إلى تفكيك الخطاب الذكوري أو السلطة الأبويَّة، أيضاً، هو تيار فكري ينحاز إلى المرأة أو إلى ما تعانيه، ولكنَّ هذا المصطلح بطبيعته ميالٌ إلى السياسة والفكر وأقرب إليهما من مصطلح الأدب واللغة. أما بالنسبة للنسائية فهو مصطلح يعبر عن كل ما تكتبه المرأة ويتعلق سواء بها أو بالسياسة والفكر، فهو كتابة نسائية".
وأضافت: "على الرغم من ذلك أنا لا أميل إلى تقسم مصطلح نسائي ومصطلح ذكوري، وإنما هناك اهتمامات، قد تكون منها أنثويَّة، إذ إنَّ المرأة بطبيعتها تحب التفاصيل الدقيقة، فتصف أشياءها بطريقة تختلف عن اهتمامات الرجل. في حين إذا تحدثنا عن الأنا والآخر، أو الرجل والآخر، فهنا تكون نظرة الأنا للآخر تعتمد على ثقافة الأنا وانتماءاته الفكريَّة والثقافيَّة".
وقد ركز الظفيري عبر سؤاله للروائيَّة هدية حسين، على شكل الكتابة، وهل يشكل المنفى بوابة جديدة للكتابة؟، أو هل تختلف رؤية الروائيَّة للكتابة ما بين العراق وخارجه؟، فتمثلت إجابة هدية حسين لهذا التساؤل قائلة: "لا أزعم أنَّ لديّ اطلاعاً واسعاً ودقيقاً على روايات المنفى، فأدب المنفى هو أنْ تكتب أنت والآخر.. لديّ ست روايات واحدة فقط كانت عن أدب المنفى. وهي رواية المجتمع الكندي كما رأته مهاجرة عراقية، بينما بقية الروايات الخمس كما لو أني لم أخرج فيها من العراق".
وأضافت: "الاختلاف الذي يحدث، أن الكاتب قد يحتاج لوقت طويل حتى يمتص الصدمة الثقافيَّة في المجتمع الجديد واللغة، والرواية كذلك تحتاج لوقت طويل حتى يستطيع كاتبها أنْ يرصد مشاهداتها في المجتمع الجديد، لكي تكتب بعد ذلك".
من هنا، يعود الظفيري ليسأل الدكتورة فاطمة بدر عبر حواره عن رأيها في المنفى الواقعي، والمنفى الافتراضي.. وأنَّ هناك مسألة واقعيَّة، وأخرى نفسيَّة، إذ إنَّ بعض المغتربين نراه أحياناً، وقد اندمج بالمجتمع، بينما البعض الآخر لا يستطع ذلك، بل ويشعر بالإقصاء في الداخل؟ وتجيب الدكتورة بدر قائلة: "لدينا الكثير من الكاتبات كتبن عن المنفى والغربة والاغتراب، لأنهن عشن هذه المرحلة، وأيضاً لدينا كاتبات كتبن عن المنفى والغربة على الرغم من وجودهن بالعراق، مثل الروائيَّة ميسلون هادي، فهي كتبت عن السفر والابتعاد عن بغداد، بحكم أنها تتنقل بين مرحلة وأخرى، خارج العراق، لكنها لم تكن ثابتة في المنفى.. أما كاتباتنا البقية فقد كتبن عن المنفى لسبب يدخل ضمن صراع الهوية، ويتمثل بالروائيَّة هدية حسين، عالية ممدوح، وغيرهما، لأنهن يتحدثن عن صراع الهوية الغربيَّة والتشبث بالماضي، المتمثل بالهوية الوطنيَّة، وهناك صراع الاندماج بالهويَّة الجديدة، ومحاولة عدم التمسك بالماضي.
كما وقد تناولت الروائيَّة هدية حسين في حديثها، النقاد ونظرتهم القاسية تجاه الروائي الذي يتملكه الحنين للعودة إلى بلده ولا يعود، قائلة: "لقد تعامل بعض النقاد بقسوة مع الروائيين لدرجة أنَّ بعضهم قد ذكر أنه (لا توجد رواية منفى، لأنها فاقدة لشرطها الإبداعي)، وانه يعدها اجتراراً للماضي".
وأضافت: "الماضي هو تقنية سرديَّة لا بدَّ أنْ تعرف هذه الشخصيَّة، لذا فلا بدَّ أنْ تعرف ماضيها، فالماضي قيمة بالنسبة للروائي".
الصحافة الثقافيَّة
كذلك احتضت القاعة الثقافيَّة في معرض بغداد الدولي للكتاب في السادسة مساءً، ندوة عن تحديات الصحافة الثقافيَّة في زمن "السوشيال ميديا" وتحولات الزمن الجديد، للصحفي علي سعيد، (وهو واحد من الصحفيين الثقافيين البارزين في الصحافة السعوديَّة).
الجلسة التي كانت بحضور نخبة من المثقفين والصحفيين أدارها الروائي أحمد السعداوي، تحدث فيها الضيف عن حضور "السوشيال ميديا" وتأثيرها في الصحافة الثقافيَّة، كما وتطرق لبعض جوانب هبوط الصحافة الثقافيَّة بسبب "السوشيال ميديا"، بعدما كانت في أوجها من حيث إصدارات لملاحق مهمة عربيَّة أسبوعياً وربما شهرياً، لتحتضر بعد ذلك، وتعيش أسوأ مراحلها.
وتناول التحولات الكثيرة التي حدثت في العالم واهتزاز صحافته الثقافيَّة، بسبب الجانب الالكتروني، لأنَّ التطور الالكتروني كان بمثابة وسيط كما الجريدة، وما حدث أنْ تم استبدال وسيط بوسيط آخر، والوسيط الالكتروني، عادة، أسرع وأقرب الوصول للقارئ وأقلُّ تكلفةً، فضلاً عن أنه قد أعاد السلطة للمتلقي أو القارئ.
إذ كانت الصحافة الثقافيَّة سابقاً، تنظرُ للقارئ في أحسن حالاته على أنَّ ما سيكتبه سيكون مصيره بريد القراء، ولكنْ مع "السوشيال ميديا"، امتلك القارئ سلطة الإعجاب من عدمه، سلطة بضغطة زر أو بتعليق بسيط، وإنْ كان شخصاً بسيطاً ليست لديه خبرة ثقافيَّة أو خزين معرفي ثقافي، وبهذا الشكل صار للمتصفح البسيط التقييمُ وإبداءُ رأيه وانطباعه بحريَّة.
ولم ينس الصحفي علي سعيد، تأثير الجوانب الاقتصاديَّة في الصحافة وديمومتها، مثل الإعلان التي كانت وسيلة دعم مهمة للصفحات الثقافيَّة، فهناك صحفٌ عربيَّة مهمة كانت تعتمد كلياً على واردات الإعلانات الشهريَّة لديها، حتى ظهور "السوشيال ميديا" لتبدأ بتقليص صفحاتها، ومن ثم إغلاقها.
مؤكداً، أنَّ الصحافة الثقافيَّة في الغرب أو الدول الأوروبيَّة لديها جمعيات ومنظمات غير حكوميَّة تعنى بقضاياها، يعني في حال إغلاق صفحة ما، أو تعرضها لمشكلة ما، فإنَّ هذه الجمعيات والمنظمات تنشط لدعمها، سواءً بالحملات أو التظاهرات وغير ذلك، كما يحدث تماماً مع الجمعيات والمنظمات المدافعة عن البيئة أو حقوق الإنسان، أو المرأة وغير ذلك.
توقيع كتاب
وكالعادة تتضمن أيام معرض "بغداد الدولي" يومياً، العديد من حفلات توقيع الكتب التي أصبحت لافتة، حتى أنَّ بعض الأدباء وقعوا كتباً كانوا قد أصدروها قبل سنوات، كنوع من الاحتفال بالمنجز وبدار النشر. تجولت "الصباح" لترصد بعضاً منها. الأديب أوس حسن أشار الى "وجود تطور ملحوظ في إقامة معرض بغداد الدولي للكتاب سنة تلوة الأخرى، وخصوصاً أنَّ هذا العام لاحظنا استضافة مجموعة ممتازة من الأدباء والشعراء العرب، فضلاً عن دور النشر التي جاءت وعرضت ثقلها من المطبوعات المتنوعة".
موضحاً بخصوص حفل توقيعه لكتابه الشعري (الغريب الذي نشر ظله) الصادر عن الاتحاد العام للكتاب في العراق، بأنها "مجموعة شعريَّة أقبلَ على تأليفها وجمعها قبل عامين، لتظهر في العلن"، متمنيا أنْ تنال استحسان كل من يقرأها.
الأزياء العراقيَّة
كما تشارك دار الأزياء العراقيَّة التابعة لوزارة الثقافة ضمن معرض بغداد الدولي للكتاب، بعرض مطبوعات وأزياء ولوحات من اشتغالات موظفيها. شيماء العبادي، مسؤولة شعبة المنظمات، قالت: "إنَّ دار الأزياء العراقية تعدُّ كتاباً بمحتوى متنوع وشامل لكل المضامين الثقافيَّة والفنيَّة، توضح عبرها كل اشتغالات الحقب التاريخيَّة السابقة، فضلاً عن توثيق رموزها التراثيَّة والحضاريَّة". لافتة الى "وجود إقبال على جناح الدار وشراء بعض منتوجاتها".
فقر العناوين
التشكيلي والأكاديمي د. محمد الكناني، تحدث قائلاً: "بكل تأكيد يعدُّ معرض الكتاب في بغداد ظاهرة ثقافيَّة وفنيَّة وأدبيَّة وعلميَّة كبيرة جداً، وهذا ديدن العراق بأنه يراهنُ على هكذا مهرجانات ثقافيَّة كبيرة جداً للقارئ العراقي المهم في الدول العربيَّة، كون المثقف العراقي ليس فقط قارئاً وإنما هو ناقد ويمتلك عقليَّة ثقافيَّة تتفاعل مع الكثير من نتاج الثقافات المجاورة والعالميَّة أيضاً".
مضيفاً: "يخلو المعرض من الإثراء في العنوانات المهمة على مستوى الدرس الأكاديمي والفلسفي والجمالي، أو على مستوى ما أُنتِجَ من دراسات نقديَّة حول الفن المعاصر، أما أغلب الدراسات التي عرضتها دور النشر حاليا فلم تكن عناوين مهمة، بسبب اقتراب إقامة المعارض العربيَّة مع معرض الكتاب في بغداد، بمعنى إنَّ دور النشر المشاركة لم تأت بنفائسها من الكتب المترجمة أو الكتب المهمة، وإنما ذهب هذا الجزء الى المعارض التي سبقت معرض بغداد الدولي مثل التي أقيمت في المغرب والجزائر ومصر مؤخراً".
أما الدكتور خالد الوالي، فقال: "أول كتاب اقتنيته لأطفالي يحمل عنوان (العلم نور)، وهي مجموعة تعليميَّة ترافقها سيديات صوت وصورة، أما أنا فعشقي للروايات المترجمة واقتنيت كتاب (انطونيس) وهي رواية حديثة اشتهرت في إيطاليا مؤخراً".
مشيراً الى أنَّ "هناك عناوين رائعة جداً لكنها تباع بأسعار مرتفعة لا يمكن أنْ نقدم على شرائها"، متمنياً أنْ تراعي دور النشر المستوى المعيشي للمجتمع.
أما التشكيلية زينب الركابي، فقد أشارت الى "اقتنائها ثلاثة كتب لحنا مينه وكتاب (السيد) لسلمان كيوش"، مبينة أنَّ معرض الكتاب هذا العام يتسع بالعناوين بسبب كثرة دور النشر قياساً بالسنوات السابقة، لافتــــة الى أنها من عشاق الحضور في كـــــــل المعارض التي أقيمت للكتـــــــاب فــي بغـــــداد.
المصدر:جريدة الصباح