تحقيقات وتقارير
بغداد- واع - حسين محمد الفيحان
تنفرد بغداد عن غيرها من العواصم العربية , منذ ثلاثينيات القرن الماضي بوجود الحافلات ذات الطابقين التي تتجول في شوارعها او كما يسميها سكان بغداد بـ (المصلحة) او (الامانة) وهي بذلك تشابه شوارع العاصمة البريطانية لندن بهذه الميزة , فالمواطنون يفضلونها في التنقل على سيارات النقل الاهلية كونها مدفئة في الشتاء و مبردة في الصيف , اضافة الى امانتها بالوصول و تخفيفها معاناة الانتظار , فاغلب ركابها من الطبقة المتوسطة و ما دونها فهي توفر لهم تنقلات و ان كان وقتها طويل نسبيا الا انها مناسبة للموظفين واصحاب المهنة الحرة البسيطة .
ابو عبد الله متقاعد من وزارة المالية , يبلغ من العمر (75) عاما يقول لـ(واع) : "كنت استقل هذه الباصات منذ كانت اجرة الراكب (عشرة فلوس) و لازلت استقلها حتى اليوم رغم انقطاعها لسنوات بسبب الحروب , فأنا استشعر جمال بغداد و اناقتها من خلالها , و كنت اصر على الصعود في الطابق الثاني فيها عندما كنت شابا , اما اليوم فاجلس في الطابق الاول , و كانت خطوطها تصل الى جميع مناطق بغداد و بأرقام يحفظها جميع ركابها و سكان العاصمة" .
ويقول احمد كامل ,(40) عاما , موظف في وزارة التعليم العالي ,وهو احد الركاب اليوميين في هذه الحافلات, لوكالة الانباء العراقية (واع) : إن "المصلحة ذات الطابقين وسيلة نقل حضارية كما هي مريحة جدا و نطمح بزيادة اوقات عملها الى الليل وان يتم استخدام نظام البطاقة الالكترونية في الجباية مع التزام سواقها بلبس كامل الزي المخصص لهم من القبعة و البدلة و حتى الحذاء , لتتناسب مع حضارة بغداد و البلاد".
واضاف ،أن "اجرة هذه الحافلات اليوم , مدعومة من وزارة النقل و مسعرة بـ(500) دينار عراقي اي ما يعادل (40) سنتا امريكيا، وهذا المبلغ مناسب لاغلب الفئات ةالشرائح الاجتماعية ".
وتابع كامل ، أن "الخدمات التي توفرها الباصات ذات الطابقين لا توفرها وسائل النقل الصغيرة الاخرى لذلك يفضل اغلب اهالي بغداد و من يفدها من المحافظات ان يستقلونها بين مناطق العاصمة" .
ويجد محمد العزاوي سائق حافلة ، العمل في "المصلحة" مهنة عمره التي لايتنازل عنها رغم حصوله على شهادة البكالوريوس ،يقول خلال رحلتي معه من ساحة النصر الى الباب المعظم , لإعداد هذا التقرير , انه "يعمل سائقا في مصلحة نقل الركاب منذ (25) عاما , وانه لم يترك عمله حتى بعد ان حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة بغداد و مارس في تلك الفترة التدريس لمدة خمسة اشهر و بعدها وجد مهنة العمر كما يثبت ذلك في حديثه لـ(واع) .
واوضح "جئت لهذه المهنة عن حب و ليس مجبرا , و لم اتركها سابقا و غير مستعد لتركها حاليا".
وعن صعوبة المهنة يضيف العزاوي "الزحامات المرورية اهم مشكلة تواجه عملنا اليوم, رغم ان فكرة الحافلات ذات الطابقين تهدف بالأساس للحد منها الا ان كثرة السيارات على حساب عدم توسعة الشوارع ادى الى تفاقم هذه المشكلة"..
تأثير هذه الحافلات واضح في بغداد فهي تتمتع برمزية كبيرة لدى السكان فمنذ اكثر من سبعة عقود كان الطلاب والموظفون والعمال ينتظرونها في محطات وقوفها لالتزام سائقيها بالوقت المحدد , اضافة الى ذلك تستمد العديد من معالم المدينة رمزيتها من تفاصيل تتعلق بتسمية هذه الحافلات حتى ان ارقام الخطوط اصبحت ملازمة للمناطق مثلا 1 الاعظمية و2 ساحة النصر وو73 مدينة الشعب و66 حي الشرطة ،ولا زالت ساحة 55 في مدينة الصدر تطلق عليها لان الباص رقم 55 كان يمر بها كذلك ساحة 83 وغيرها ،.. ولكي تصل خدماته الباص الاحمر لجميع مناطق بغداد والتجمعات السكانية تعدت ارقام الخطوط عن المئة لتصل الى 111 .
وعن عمل هذه الحافلات و خطط تطويرها التقينا بـ المهندس كريم كاظم حسين مدير عام الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود , فتحدث لوكالة الانباء العراقية (واع) , قائلا : ان الباصات ذات الطابقين تعمل في شوارع بغداد منذ العام 1938م, وفقا لاتفاقية وقعتها الحكومة آنذاك مع الحكومة البريطانية , وبعد انقطاعها عن شوارع بغداد بسبب الحرب الاخيرة عام 2003م , عادت عام 2012م , بعد التعاقد مع شركة (الباهاوس) بشراء 100 حافلة , و الشركة اليوم تملك (150) حافلة , تصل الى اغلب مناطق و احياء العاصمة التي تستطيع وصولها , و اما الاماكن التي لا تصلها فهي بسبب اسلاك الكهرباء المتدلية من المولدات الاهلية و السيطرات الامنية و قطوعات بعض الشوارع ".
واوضح ،انه "تم اضافة خط جديد الى مدينة بسمايا ذهابا وايابا لانه مجمع سكني كبير فيما تشارك هذه الحافلات في السفرات المدرسية للمدارس لنقل الطلاب و كذلك في الزيارات المليونية في كربلاء و النجف بأسعار رمزية مع ما تقدمه من خدمات" , مبينا ، أن "الحافلات تتبع نظام (الكارتريدر) او البوابات الالكترونية , من خلال كارت ب (5) الاف دينار , يشتريه المواطن يمكنه من الصعود (12) مرة , بصعودين مجانا".
واكد حسين ، ان "افتتاح العديد من الطرق التي كانت مغلقة في بغداد ،سيمكن هذه الحافلات من الوصول الى مناطق جديدة مع انشاء خطوط جديدة ايضا , كانت ملغاة واحتمالية استحداث خطوط جديدة".