نصير فليح
الأذرع الاطول للتأثير السياسي في عالمنا الحالي متعددة، أبرزها الولايات المتحدة وأوربا (لا سيما بريطانيا وفرنسا والمانيا)، فضلا عن أذرع اخرى مناهضة لها، مثل روسيا والصين، وقوى اقليمية هامة في مناطق متعددة من العالم، وهي تمد اصابعها في كل ما يجري في العالم تقريبا، بما في ذلك منطقتنا وبلادنا. والتغيرات في اتجاهاتها وتوازناتها، ترسم خارطة العالم الجيوسياسية الى حد كبير.
موضوعنا يتركز هنا على العلاقة بين اوربا والولايات المتحدة، حيث يمكن ملاحظة ان العلاقة لا يسمح لها بالخروج من منطقة "التباينات النسبية"، بمعنى ان درجة الاختلاف السياسي بشأن هذا الملف او ذاك، لا تصل الى اشتباكات ومواجهات مستمرة طويلة، واذا ما حدث خلاف، يظل في حالات محدودة ولفترات مؤقتة وجيزة.
بعض الاطروحات التي مست هذا التناغم القائم، مثل دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لتشكيل قوة اوربية - بعد تنامي الخلافات لا سيما في حقبة ترامب - واجهت رد فعل مباشر وفوري من الولايات المتحدة، ولم نعد نسمع عنها شيئا تقريبا. في ما عدا ذلك، يمكن ملاحظة انه فقط بعد ان ظهرت في الولايات المتحدة مؤشرات على التغيير في ملفات معينة، مثلا ما يخص السعودية واليمن بعد مقتل الصحفي خاشقجي، بدأت تظهر مبادرات وتصريحات ومواقف في اوروبا بالاتجاه نفسه، لعل ابرزها اهتمام بريطانيا بموضوع اليمن الذي تجسد في مشروعها الاخير الذي قدمته الى مجلس الامن وتمت الموافقة عليه
بالاجماع.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
اما في ما يخص انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني، فيمكن ان نرى ان التباين مع الولايات المتحدة ظل نسبيا ومشروطا، لم ينحن تماما للمطالب الاميركية، ولم يتصد لها تماما ايضا. ومثل هذا يمكن ان يقال عن المواقف في الملفات العالمية العالمية الاخرى، مثل الموقف من روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، ومنطقتنا وبلادنا.
لا توجد حاليا مؤشرات قوية على ان ثمة انفصالا واضحا بين اوروبا الغربية والولايات المتحدة يلوح في الافق، رغم بعض التصريحات من ترامب بالتهديد بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو (مثل تصريحه قبيل انعقاد قمة دول الحلف في منتصف تموز 2018) باعتبارها تسهم بنسبة 80% من ميزانية الحلف، والتي اعتبرت على الاغلب ليست اكثر من محاولة لابتزاز الاوروبيين وتهديدهم اذا تخلفوا عن زيادة مساهماتهم
، لا سيما ان تصريحات من هذا النوع باتت تحدث كثيرا في السياسة الاميركية تحت ادارة ترامب، مثل تصريحاته المعروفة بخصوص الخليج والسعودية وطالبتها بمبالغ اكبر واكبر على اساس توفير الحماية.
لكن اذا ما حدث هذا ذات يوم، واذا ما وصلت التباينات بين الولايات المتحدة واوربا الى حد التناقض، او اذا ما شعرت اوربا بانها ستكون هدفا مباشرا للاخطار الكبرى مع التصاعد الحالي للسباق النووي الاميركي-الروسي وسباق البرامج الصاروخية، فان ذلك ربما سيكون بداية لمرحلة جديدة تدفع اوروبا الى بناء بيتها الخاص حقا، هذا البيت الذي تعرض الى هزة كبيرة مع انسحاب بريطانيا منه، ولكنه لما يزل قائما.
المصدر: الصباح
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة