منوعات
بروكسل- واع- كاظم الحناوي
وفقا لأرقام صادرة عن وزارة الصحة البلجيكية في عام 2018 ، سجلت البلديات البلجيكية تراجع ما يقارب 5000 شخص عن طلبهم بالموت الرحيم في بلجيكا من ما مجموعه 12،550 طلبا مقدمًا للموت الرحيم.
ومن المعروف ان الحق في الحياة، في الديانات كافة، حق مقدس، يستند إلى تكريم الإنسان، وينطلق من مبدأ حرمة هذه الحياة وحفظها من كل اعتداء يمكن أن يقع عليها، لذلك يعتبر قتل النفس من أبشع الجرائم، وقد اتفقت الديانات السماوية على أن الحياة هبة من الخالق لا يحق لأحد غير الله أن يتصرف فيها. وتعد بلجيكا من أول دولتين في العالم أقرت قانون يجيز الموت الرحيم في الحالات المستعصية، بعد هولندا (2001) ثم تبعتها بلجيكا في عام(2002).
إلا أن حياة الإنسان قد تمر بظروف صعبة عندما يصاب بأمراض مستعصية قد تصل به الى حالة من العجز أو اليأس من الشفاء، مع ما يرافقها من آلام مبرحة لا تحتمل، وهذا الواقع طرح مسألة القتل الرحيم التي باتت واحدة من القضايا الخلافية في العالم من ناحية شرعيتها ومحاولة تبريرها أخلاقيا ودينيا وقانونيا.
وقالت وزارة الصحة البلجيكية ان اعداد المتقدمين بالطلبات مستقر خلال السنوات الماضية حيث كان 12،351 حالة في 2017 و 12،426 حالة في عام 2016 ، وفقا للبيانات التي قدمتها الخدمات الصحية الاتحادية .
ومصطلحات الموت الرحيم، أو القتل الرحيم، أو رصاصة الرحمة، كلها عبارات تدل على امر واحد وهو، انهاء عذاب مريض استحال شفاؤه، بواسطة أساليب طبية غير مؤلمة... انه وضع حد لحياة انسان مريض بمرض لا شفاء منه.
فالقتل الرحيم أو الموت الرحيم هو التعبير الطبي العلمي المعاصر، لما يعني تسهيل موت الشخص المريض الميؤوس من شفائه بناء على طلب مقدم من طبيبه المعالج. إن جوهر المشكلة يكمن في التعجيل بإنهاء حياة محكوم عليها بالهلاك حتما... انه (الموت الميسر طبيا لأشخاص ميؤوس من شفائهم).
ويتم تنفيذ الموت الرحيم في الحالات المرضية الآتي ذكرها:
• الحالة الاولى: فقدان الوعي في درجتها القصوى الرابعة، التي يكون فيها المريض في حالة تنفس اصطناعي بسبب غيبوبة متقدمة مع أضرار قوية في الدماغ.
• الحالة الثانية: الأمراض المستعصية المسببة الأوجاع الأليمة، كالسرطان، وخصوصا عند انتشاره في جميع الجسم.
• الحالة الثالثة: التهاب الرئة المزمن الذي يمنع المريض من التنفس الا بواسطة الآلات (تنفس اصطناعي)، الى ما هنالك من حالات صعبة ومستعصية ولا أمل لها بالشفاء طبياً.
ومقابل الموت الرحيم، يوجد ما يسمى بالموت الـكلينيكي، أو ما يعرف بالموت السريري، وهو الموت الذي يمنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أية أدوات أو أدوية متى يتبين للطبيب أن هذا كله لا جدوى منه.
وقد عد البعض أنه لا يوجد أي خطأ أو مسؤولية إذا تم توقيف الأجهزة التي تساعد على التنفس وعلى النبض، متى تبين للطبيب المختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة به إلى الموت.
ومن ناحية أخرى ، فإن عدد البيانات التي تمت مراجعتها من قبل وزارة الصحة البلجيكية وتأكيدها وسحبها يرتفع بشكل حاد، ومنذ سبتمبر 2008 ، يسمح القانون للشخص بتسجيل تصريح مسبق للمطالبة بالقتل الرحيم في حال عدم تمكنه من التعبير عن طلبه لعدم وعيه بشكل لا رجعة فيه.
إن ما يستند اليه مؤيدو فكرة الموت الرحيم هو مبدأ حرية الإنسان في تقرير مصيره وحق التصرف بجسده كيفما يشاء، وأن القتل الرحيم من شأنه أن يريح المريض من معاناته وآلامه، وهو بمنزلة مساعدة على الانتحار.
وكذلك يعد هؤلاء أن حياة بعض كبار السن والمرضى لا تساوي عدمها وخير لهم أن يموتوا، لأن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة الإنسان إبداعا وإنتاجا.
في المقابل ثمة من يرد على هذه الحجج بأنها مادية النزعة، لأنها تهدر قيمة الحياة البشرية، وتقيسها بالنفع المادي للإنسان، وتستهزأ بإنسانيته.
ففي العام الماضي ، راجع ما يقارب 5000 شخصًا في بلجيكا طلباتهم للموت الرحيم ،هذا الرقم أعلى بكثير من السنوات السابقة (2،851 في عام 2017 و 2،540 في عام 2016).
في حين كان عدد التصديقات التي تمت على الطلبات 7372 عام 2018، هو أيضا في زيادة بما يقارب الستين طلبا عن عام 2017 .
ويرى البعض أن مصدر فكرة الموت الرحيم مأخوذة من الطب البيطري (فالحيوانات التي لا تنتج تقتل)، ويرى البعض الآخر أنها مأخوذة من معاقل النازية والعنصرية، كما ينسب البعض فكرة الموت الرحيم الى الفيلسوف الانكليزي بيكون الذي يعتبر أن على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة للمرضى، وتخفيف آلامهم. ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم لا أمل فيه، ترتَّب عليهم أن يهيئوا لهم موتاً هادئاً وسهلاً.