nbsp;
خاص—واع
تقرير فراس سعدون
تشهد العلاقات بين تركيا والغرب (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي) توترا شبه مستمر في السنوات الأخيرة، لكنه يحتد مع كل قرار قوي تتخذه أنقرة على غرار قرار إجراء انتخابات مبكرة في حزيران المقبل.
وتتكيف السياسة الخارجية التركية مع التوترات وتقاطع المصالح الدولية داخل تركيا أو في جوارها، الأمر الذي يدفع قيادات الجمهورية، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، إلى تعزيز العلاقات مع دول كبرى أو مؤثرة خارج المحور الغربي وعلى رأسها روسيا وإيران والصين.
وفي مؤتمر صحفي مع نظيره الآذربيجاني، إلهام علييف، تحدث إردوغان، في أنقرة الأربعاء، عن أهمية آليات العمل المشترك المُنشأة بين تركيا وأذربيجان وجورجيا وتركمانستان وإيران وباكستان، مشيرا إلى أن هذه الآليات ستكون "مفيدة للمنطقة".
ويعتزم إردوغان بدء زيارة إلى أوزبكستان، الأحد، تتناول "المستجدات الإقليمية"، تعقبها زيارة إلى كوريا الجنوبية تبحث "قضايا إقليمية ودولية".
"انتخابات الطوارئ" أحدث توتر
واعترض الاتحاد الأوروبي، بعد الولايات المتحدة الأميركية، على إجراء انتخابات تركية مبكرة في ظل حالة الطوارئ. وطالب مجلس الجمعية البرلمانية الأوروبية، الثلاثاء، بتأجيل الانتخابات بداعي أن إجراءها في ظل حالة الطوارئ لا يجعل نتائجها شفافة، ولن يتوافق مع المعايير الأوروبية.
وفرض إردوغان حالة الطوارئ على تركيا بعد أيام من تنفيذ محاولة انقلاب عسكري في تموز 2016. ومنذ ذلك التاريخ يجدد البرلمان فرض الحالة كل 3 أشهر، وقد شهد الأربعاء قبل الماضي أحدث تجديد لها متزامنا مع إعلان إردوغان إجراء الانتخابات المبكرة.
وطالبت منظمة العفو الدولية أنقرة بضرورة التوقف عن استخدام حالة الطوارئ في التضييق على المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني والصحفيين.
وقالت المنظمة، في تقرير عنوانه "مواجهة العاصفة"، إن "الحكومة التركية تواصل استخدام حالة الطوارئ لتقليص المساحة المخصصة لوجهات النظر المعارضة أو البديلة".
وأورد التقرير أن أكثر من 107 آلاف موظف في القطاع العام فقدوا وظائفهم، وأكثر من 100 ألف شخص واجهوا تحقيقات جنائية، في وقت ولا يزال فيه أكثر من 50 ألفاً داخل السجون بانتظار المحاكمة، لاتهامات بصلاتهم مع غولن أو التنظيمات الكردية.
وخلص التقرير إلى أنه "حان الوقت لأن ترفع تركيا حالة الطوارئ المفروضة حالياً والتدابير الصارمة التي رافقتها والتي تتجاوز الإجراءات الشرعية لمكافحة تهديدات للأمن القومي".
وترفض تركيا عادة ما يرد في تقارير منظمة العفو الدولية، فيما قابل المسؤولون الأتراك الاعتراض الأوروبي على "انتخابات الطورائ" بجملة ردود.
وقال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، من اسبانيا الثلاثاء، تعليقا على الاعتراض "سيكون من الأفضل إذا انشغل مجلس أوروبا بأعماله. تركيا هي التي ستجري الانتخابات وليسوا هم"".
وغرّد بكير بوزداغ، نائب يلدرم والمتحدث باسم الحكومة التركية، ضدّ الاعتراض الأوروبي، متسائلا في تويتر "لماذا لم يطلب الاتحاد الأوروبي من فرنسا تأجيل انتخاباتها في ظل حالة الطوارئ، لكن عندما يتعلق الأمر بتركيا يتذكر ذلك، يا لها من سياسة مزدوجة وذات مغزى"
ووصف عمر جليك، الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، طلب تأجيل الانتخابات بأنه "قلة احترام"، في حين حذر سلفه، أغَمَن باغش، من أن الموقف الأوروبي "يدفع تركيا إلى البحث عن بدائل جديدة للاتحاد".
وأجاب يلدرم، مؤخرا، عن سؤال بشأن طول مسيرة الانضمام بأن "الاتحاد الأوروبي ينام على خده منذ 60 عاما، ولا يتخذ خطوات إيجابية، وينبغي عليه أن يعلم بأن العالم ليس عبارة عنه، فهناك أجزاء ومناطق أخرى أيضا".
أزمة دعم غولن والتنظيمات الكردية
وفي أول مقابلة تلفزيونية بعد إعلان إجراء الانتخابات المبكرة صرّح إردوغان بأن التهديد يأتي تركيا أولاً من الولايات المتحدة لدعمها فتح الله غولن - الداعية التركي المقيم في ولاية بنسلفانيا والمدان لأنقرة بتهمة تدبير محاولة الانقلاب – ولدعمها التنظيمات الكردية المسلحة (حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديموقراطية / وحدات حماية الشعب).
ورفضت واشنطن على مدار عامين طلبات أنقرة المتكررة لتسليم غولن.
وعبّر اردوغان عن مرارة وقوفها خلف غريمه، واستمرارِ عيشه في الولايات المتحدة مثل الباشوات، على حد وصفه.
وتخفق تركيا في إقناع، حتى، جارتها اليونان بتسليم 8 عسكريين لجؤوا إليها هربا من الملاحقة بتهمة مشاركتهم في محاولة الانقلاب.
وأفرجت السلطات اليونانية، الخميس، عن سليمان أوز قينقجي، أحد العسكريين الثمانية، ونقلته إلى منزل سري وسط تدابير أمنية في إطار قرار محكمة يقضي بالإفراج عنه شرط وضعه تحت المراقبة الشديدة.
ويشعر إردوغان بغصة أخرى وهو يقول إن "السلاح الذي لم نستطع شراءه بأموالنا قدمته واشنطن مجانا إلى هذا التنظيم الإرهابي (حزب العمال الكردستاني وحلفاؤه)".
وقاد إردوغان حملة عسكرية لطرد التنظيمات الكردية من مدينة عفرين السورية بين كانون الأول وآذار الماضيين، غير أن الحملة لم تحظ بدعم حلفائه في الناتو.
وهدد إردوغان بعدم الوقوف في عفرين ومطاردة مسلحي التنظيمات الكردية في منبج ومدن سورية أخرى لكنه لم يقدم على تحرك عسكري كبير منذ أن استقبل نظيره الفرنسي وفدا عن التنظيمات الكردية في باريس ووعده بالمساعدة على تحقيق الاستقرار في منبج حيث تنتشر بالفعل قوات فرنسية فضلا عن أخرى أميركية.
ورفض إردوغان خطة فرنسية لإرسال مزيد من القوات إلى منبج، محذرا "في حال تعاونهم (الفرنسيون والمسلحون الأكراد) يمكن لمشهد عفرين أن يتكرر في منبج"، لكن الأنباء الواردة من المدينة السورية تفيد بوصول جزء من تلك القوات إليها.
ويحز في نفس المسؤولين الأتراك أنهم طلبوا من دول أوروبية عديدة تسليم صالح مسلم، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري (المظلة السياسية لوحدات حماية الشعب)، لكن طلباتهم قوبلت بالرفض.
وأدرجت الداخلية التركية مسلم في لائحة المطلوبين بالنشرة الحمراء، معلنة مكافأة قدرها 4 ملايين ليرة (نحو مليون دولار) لمن يسهم في إلقاء القبض عليه. وأصدرت محكمة الجنايات الرابعة في أنقرة، الشهر الماضي، مذكرة إلقاء قبض على مسلم بتهمة تورطه في "ارتكاب أعمال إرهابية" داخل تركيا.
وتخرج مسلم من كلية الهندسة الكيميائية في جامعة اسطنبول عام 1977.
وانسحب رئيس الوفد التركي من أعمال الجمعية البرلمانية الأوروبية، الاثنين، احتجاجاً على دعوة مسلم للحديث عن معركة عفرين على هامش دورة الربيع للجمعية في ستراسبورغ الفرنسية.
وعلّق رئيس الوزراء التركي "كان حريا بمجلس أوروبا ألا يستقدم زعيم تنظيم إرهابي (...) لإلقاء كلمة عبر منبره، بدلا من دعوة تركيا لتأجيل الانتخابات".
وانتقد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، "سياسة ازدواجية معايير المجتمع الدولي حيال التعامل مع هجمات التنظيمات الإرهابية".
وقال جاووش أوغلو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء "عندما يقتل تنظيم داعش الإرهابي المدنيين الأبرياء فإننا ندين ذلك جميعا، وهذا هو الصحيح. لكن عندما يتعلق الأمر بقتل تنظيمات غولن، وحزب العمال الكردستاني (وحلفاؤه في سوريا) فإن بعض الدول تتجاهل ذلك علها تفيدها في بعض الأماكن".
تركيا وتعدد المحاور
وتحملت تركيا في الحرب السورية أعباء سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة بعد أن دخلت الحرب قريبة من المحور الغربي وتكاد تنتهي من الحرب وهي قريبة من المحور الروسي – الإيراني.
وأخبر، رجب آكداغ، نائب رئيس الوزراء التركي، مؤتمر "دعم سوريا" في بروكسل، الأربعاء، بأن أنقرة أنفقت على أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري نحو 31 مليار يورو، وهو رقم يتصاعد باستمرار، في حين لا يعلن المسؤولون الأتراك ما تحملته أنقرة من تكلفة عامة في الحرب السورية.
واعتبر آكداغ أن جزءا كبيرا من المجتمع الدولي "فشل في اختبار تقاسم المسؤولية" تجاه دعم السوريين في تركيا، متحدثا عن انتظار المسؤولين الاتراك تنفيذ الاتحاد الأوروبي لالتزاماته بموجب اتفاقية "إعادة قبول المهاجرين" المبرمة بين الطرفين لمنع تدفق طالبي اللجوء من تركيا إلى أوروبا عبر البحر.
ويتلكأ الاتحاد الأوروبي في تقديم حزمة مساعدات ثانية بقيمة 3 مليارات يورو (3.66 مليار دولار) للاجئين في تركيا.
وانتقد إردوغان أكثر من مرة تلكؤ دول الاتحاد في تقديم مساعدات لللاجئين، وأنها لا تقدر مجتمعة أن تؤمن جزءا مما قدمته تركيا، متهما الاتحاد بأنه يعلن ما لا يفعل.
ويلتقي وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا في موسكو، السبت، لبحث الملف السوري بشكل خاص وملفات أخرى ثنائية ومشتركة تخص العلاقات في المنطقة والعالم، استنادا إلى اجتماعات أستانا وقمم سوتشي وأنقرة، وما نجم عنها من تفاهمات "الدول الثلاث الضامنة" لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في العديد من المدن السورية.
وذهبت أنقرة باتجاه موسكو أكثر حين تعاقدت معها على شراء منظمومة "اس – 400" للدفاع الجوي، بعد أن رفضت واشنطن بيعها منظومة باتريوت، وحين احتفل إردوغان وبوتين بتدشين محطة كهرباء "آك كويو" النووية في ولاية مرسين جنوبي تركيا، لتؤمن 10% من احتياجات تركيا الكهربائية بتكلفة (شبه تناصفية) قدرها 20 مليار دولار.
وأثار التقارب التركي – الروسي، حفيظة الأوساط الغربية، وحديثها عن عدم توافق المنظومة العسكرية الروسية مع أنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، غير أن أنقرة عدّت تلك المواقف مزدوجة.
واستفهم يلدرم "أليست اليونان دولة عضو في الناتو؟ هي تمتلك أنظمة روسية. هل تم توجيه هذا الإشكال إليها. اليونان تملك صواريخ روسية هل كنتم تعلمون ذلك؟".
ولفت إلى أن ما تريده تركيا حماية أمنها الوطني، في ظل الصواريخ والقذائف التي تسقط من سوريا.
وسلط الإعلام الرسمي التركي، على مدار الأشهر الماضية، الضوء على الاكتفاء العسكري.
وردّد أكثر من مسؤول في أثناء معركة عفرين التصريح بأن الأسلحة والذخائر المستخدمة كلها تركية الصنع، كما يتحدث بعضهم حاليا عن إنتاج أسلحة ثقيلة في المرحلة المقبلة.
ووقعت شركتا "أسيلسان"، و"توساش / تاي" التركيتان للصناعات والتكنولوجيا العسكرية، الخميس، مذكرة تفاهم حول مشروع إنتاج طائرة مقاتلة نوع (MMU) من المؤمل أن تدخل تدريجيا سرب القوات الجوية بدل (F-16) الاميركية ابتداء من عام 2030.
وتقطع المعدات العسكرية البرية أشواطا أسرع.
وتوقع إسماعيل دمير، مستشار الصناعات الدفاعية التركية، إنتاج دبابات (آلتاي - ALTAY) المحلية خلال 18 شهرا.