بغداد- واع - آية منصور
تصوير: محمد الصواف
"هذا الشعور مدهش حد أنه لا يشبه شعوراً آخر، تطرز اسم الحسين بيدك وترى عملك وهو يُرفع بيد ثانية تلوح به أمام الجميع في المواكب أو أثناء تأدية الزيارة، تطورت المكائن، وما زلنا نحب نقش هذا الاسم بقلوبنا".
بخبرة أكثر من 30 عاماً، يجلس أبو محمد (57 عاما) في محله، في مدينة الكاظمية، منتظرا مجيء الزبائن وطلبهم تطريز الرايات الحسينية، إذ ورغم التطور، ودخول الكثير من المكائن الغريبة والعجيبة، لكنه، كزبائنه، يفضلون لمس الخيوط المجتمعة في مكان واحد لصنع لوحات ومخطوطات ثابتة في العمر.
التطريز في العراق
منذ أن وقعت معركة كربلاء الطف واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، رافقتها الرايات وأصبحت بصمة لتلك القضية والمظلومية. منذ زمن بعيد، تخصص أفراد في صنع مختلف أنواع الرايات التي ترمز إلى تلك القضية الملحمية في التاريخ الإسلامي، ومرت هذه الصناعة بمراحل تطور عديدة.
الرايات لم تكن مجرد قطع قماش ترفرف في الهواء، بل كانت تحمل رموزاً ومعاني عميقة، تعبر عن التضحية والشجاعة والإيمان. استخدم صانعو الرايات مهاراتهم اليدوية وفنون التطريز للإبداع بتصاميم فريدة تحمل رموزًا وشعارات تعبر عن تلك القضية.
لا يتجاوز فن التطريز في العراق -حسب المعلومات- بداياته الأولى أكثر من 8 عقود، وهو من الفنون الشعبية الجميلة التي تعتمد على المهارة العملية والصبر، وانتشر بسرعة في العقود الماضية كمهنة تمارسها النساء في البيوت بطريقة تُسمى "الاتمين"، التي تعد الخطوة الأولى للتطريز، ومع مرور الوقت، تحول إلى مهنة في العديد من المحال والأسواق المحلية في بغداد وبقية المحافظات. وتتنوع منتجات التطريز من الأعمال القماشية المزينة بالزخارف والآيات القرآنية والعبارات والأقوال والحكم المأثورة، أما أبرزها، فهي الرايات الحسينية التي تزين واجهات المواكب الحسينية والأبنية والبيوت، في محرم وعاشوراء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
تطريز الرايات.. الهدايا المباركة
يوضح أبو محمد، أن تطريز الرايات يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين للغاية، ويتم العمل بها وفق ذوق الزبائن وحاجتهم، في هذه المناسبات، وبعضها قد يحتاج لأكثر من شهر لإتمامها، خاصة تلك الأحجام الكبيرة التي يتم استخدامها في العاشر من محرم قرب ضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
"اتفق مع الخطاط، لخط الجملة التي يقع عليها الاختيار، وهنالك بعض العبارات الشائعة ومنها يا حسين يا مظلوم والتي تكون بخط النسخ أو الثلث، وبقياسات مختلفة تبدأ من خمسة أمتار، على أن يكون إنهائها بأقل من خمسة أيام" يقول أبو محمد.
مرت مهنة تطريز الرايات الحسينية بمرحلتين رئيسيتين. الأولى كانت مرحلة مكائن الخياطة والتطريز الميكانيكية، حيث كانت الرايات تُطرز يدويًا باستخدام هذه المكائن، والمرحلة الثانية كانت مرحلة المكائن الإلكترونية والرايات المستوردة، التي زاحمت الرايات القديمة، لكن كما يبين أبو محمد، فإن الناس وخاصة السائحين يفضلون تلك المصنوعة يدوياً، ويكمل بحديثه لوكالة الأنباء العراقية قائلاً:
"لا يقتصر بيع الرايات الحسينية المطرزة على العراق فقط، بل لها جمهور واسع في دول عدة، من أغلب دول الخليج العربي، وكذلك من زائري باكستان والهند وإيران ولبنان ودول أوروبية، وهناك زبائن دائمون لنا، إذ عندما يأتون إلى العراق يكررون زياراتهم إلينا، وأغلبهم يتقصدون شراء الرايات من كربلاء المقدسة تبركًا من تلك الأرض الطاهرة التي ضمت أجساد الأئمة، وبالرغم من أن الإيرانيين لديهم معامل تصنع الرايات، إلا أنهم يشترونها من كربلاء المقدسة للتبرك بها، كما أن الخليجيين يشترونها بكميات كبيرة، ويطلبون أن نكتب عليها عبارة إهداء إلى ذويهم وأصدقائهم ومعارفهم".
بأيام معدودة، يتمكن أبو محمد وأصدقائه من استكمال تطريز العشرات من الرايات، يقول إن الزخم يزداد في محرم وصفر، وليس حصراً من المواكب أو الزوار العرب فقط، بل كذلك تعمد الكثير من النساء على عمل مجالسهن الحسينية فيفضلن بأن تكون الرايات في بيوتهن، مطرزة بعبارات مواساة للسيدة زينب (عليها السلام)، وبعضهن يودن تطريز أسماء أولادهن قرب اسم الإمام وتضعها في غرفتها كأمانة. ويؤكد بحديثه لوكالة الأنباء العراقية أن مهنة التطريز تشمل نوعين رئيسيين هما تطريز الأغباني والبراتو، الأول يمتاز بإمكانية رسم صور بالتطريز، وهو تقنية غير متوفرة في المكائن الحديثة، وتكلف عملية استيرادها حوالي 20 ألف دينار، مما يجعلها أرخص من تكلفة صناعتها محلياً التي تصل إلى 30 ألف دينار.
"نحن نطرز أنواعًا عدة من الرايات، بأحجام مختلفة حسب رغبات الزبائن التي أصبحنا نعرفها جيداً. الرايات تأتي بمقاسات 5 أمتار، 10 أمتار، متر واحد أو مترين، وهناك نوع من الرايات يستورد جاهزًا ومطبوعًا عليه عبارات حسينية، ونحن نقوم بإضافة أسماء أو علامات عليها. بالإضافة إلى ذلك، لدينا نوع يسمى "الدمعة" نقوم بإجراء إضافات عليه وخياطته بأحجام مختلفة، وجميعها تباع بأسعار رمزية مقارنة بحجم الجهد والوقت المصروف عليها".
ويؤكد أبو محمد، أنهم يتعاونون بأحيان كثيرة مع العتبات لتطريز الرايات التي توزع كهدايا للوفود القادمة نحو الحسين (عليه السلام)، ورغم أن العتبات تحوي المكائن الخاصة بها لسرعة العمل إلا أنهم أحياناً يفضلون أيادي الطرازين ويدعمون المهن اليدوية المحلية.
لم تكن متاحة قبل 2003
ويوضح من جهته، سالم الموسوي، وهو صاحب موكب يستمر من أول محرم حتى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، أن الرايات المطرزة تعطي ثقلاً وتركيزاً أكبر لموكبه الذي بدأه بعد 2003 مباشرة، ويقول لوكالة الأنباء العراقية، إنه كان يشتري الرايات من الطرازين سراً في التسعينات. "لم يكونوا علانية قادرين على تطريز الرايات بسبب منعها من قبل النظام المقبور، فكنت أتجه الى منازل الطرازين وكانت مخاطرة كبيرة للجميع، ما زلت احتفظ بهذه الرايات، وأغلبها بقماش "القديفة" لسهولة التطريز عليه. واشتري دائما، واوزع الهدايا منها للتبرك".
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة