أ.د. طلال ناظم الزهيري
لا شكَّ في أن العوامل الاجتماعية والدينية والقانونية لها تأثير مباشر في سلوك الفرد، وغالبا ما تسهم العادات والتقاليد الاجتماعية في رسم ملامح الشخصية ضمن المنظور المجتمعي السائد. بالتالي فإن السمات العامة للشخصية قد تكون متشابهة إلى حد ما في إطار المجتمع.
ومع الإقرار أن كل مجتمع هو في الواقع جزءٌ من مجتمع أكبر بالتالي فإن ملامح التشابه في الشخصية تزداد كلما اقتربنا من النواة (العائلة) وتختلف كلما ابتعدنا عنها. كما يؤدي النوع الاجتماعي (ذكور، إناث) دورا آخر في إعطاء أبناء الجنس الواحد ملامح سلوكية تتشابه مع المثيل وتختلف مع الآخر. وذلك لأن محددات العادات والتقاليد والقيم المجتمعية غالبا ما تختلف باختلاف الجنس، فما هو مسموح ومباح للذكر قد لا يكون كذلك للأنثى، وما هو مشين للأنثى قد لا يكون كذلك بالنسبة للذكر. كما أن المرحلة العمرية قد تكون مؤثرة أيضا إذ قد يرفض المجتمع سلوكيات معينة للشخص في عمر معين ويقبلها في عمر آخر.
عموما أوجه الاختلاف البيني ضمن المجتمع الواحد غالبا ما تكون محددة في ملامح الشخصية العامة للفرد لكنها قد تكون متماثلة على نطاق الديانة والمعتقد والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع الكبير (الوطن). لكن يبقى السؤال الآن ما هو الضاغط الحقيقي الذي يسهم في رسم الملامح الأخلاقية للفرد في إطار المقبول الاجتماعي.؟ هل هو المعتقد الديني أم الرادع القانوني أم الرادع الاجتماعي.؟ لا شك في أن علماء الاجتماع قد بحثوا في هذا الموضوع كثيرا، وقد يكونون قد توصلوا إلى ما نعتقد نحن أيضا أن الرادع الاجتماعي غالبا ما يكون صاحب التأثير الأقوى في ضبط السلوك الأخلاقي للفرد.
ما يهمنا الآن هو البحث في نظرية السلوك الفاضح على الإنترنت والتي تعرف باللغة الإنكليزية Greater Internet Fuckwad Theory. والتي تختصر إلى [GIFT] إذ ظهر هذا المصطلح لأول مرة في سلسلة القصص الفكاهية [Penny Arcade] للدلالة على كل شخص يمكن أن يقوم بسلوك فاضح عندما تتاح له فرصة أن يكون مجهول الهوية.
وعلى الرغم من أن المصطلح اكتسب شهرته من خلال الإنترنت وخاصة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي تركت لمستخدميها حرية الاختيار بالظهور بأسمائهم الحقيقية أو الرمزية. إلا أن هناك ما يؤكد أن حالات مماثلة كانت تحدث من خلال الاتصالات الهاتفية والرسائل الصوتية عبر موجات الراديو مجهولة المصدر. واليوم نحن لسنا بصدد مناقشة النظرية ومدى صدقيتها بالمطابقة مع بيئة الإنترنت. لأننا نعتقد ومن خلال التواجد على شبكات التواصل الاجتماعي أن هناك تأكيدا يكاد يكون شبه تام مع ما تذهب إليه النظرية التي تفترض أن الشخص العادي الذي تتاح له فرصة التخفي وبوجود جمهور غالبا ما يقوم بسلوك فاضح. لكن مفهوم السلوك الفاضح FUCKWAD قد تكون له دلالات ومعان مختلفة من منظور اجتماعي إلى آخر على سبيل المثال في الدول المحكومة بنظام دكتاتوري قد يكون السلوك الفاضح بالنسبة للشخص المتخفي هو انتقاد السلطة. وبالنسبة لمجتمع ذي طابع ديني قد يكون السلوك الفاضح هو مهاجمة الرموز الدينية، أما بالنسبة للمجتمعات المحافظة فالسلوك الفاضح قد يكون مرتبطا بالحاجات الجنسية... إلخ.
وهذا ما سوف يعيدنا إلى أوجه التشابه والاختلاف القيمي من منظور اجتماعي، فما هو مباح في نظام حكم ديمقراطي قد لا يكون كذلك في نظام قمعي، وما هو متاح في الغرب قد لا يكون كذلك في الشرق. لكن أخطر ما في السلوك الفاضح هو استغلاله في مجال نشر ثقافة العنف الديني والطائفي بين الشعوب والأمم. بمعنى أن القدرة على التخفي تعطي الشخص في البيئة الرقمية الحصانة التي تمكنه من قول وفعل ما يريد طالما تبقى شخصيته مجهولة للجمهور. وإذا ما تناولنا الموضوع من جانب تقني سوف نجد أن مفهوم التخفي في بيئة الاتصال الشبكي هو وهم، لأن من يمتلك أسرار اللعبة قادر على الوصول إلى الشخص بغض النظر عن الاسم والهوية التي ظهر بها في الإنترنت من خلال وسائل تعقب نقاط الاتصال. لكن المشكلة أن من يمتلك خيوط اللعبة التكنولوجية لا يتحرك إلا عندما يكون هو المتضرر. بشكل عام ومن اجل الحد من ظاهرة السلوك الفاضح على الانترنت نقترح أن تسهم المؤسسات التعليمية و المنظمات الاجتماعية في العمل على: تعزيز التوعية حول أخطار السلوك الفاضح على الإنترنت وتأثيره السلبي على المجتمعات. كما يجب تشديد الرقابة على المحتوى الرقمي المسيء واتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين. وذلك من خلال وضع سياسات فعالة لمكافحة السلوك الفاضح على الإنترنت وتحديد العقوبات الملائمة، على أن لا يستغل هذا الأمر لتقيد حرية التعبير التي تكفلها الدساتير والأعراف الدولية. كما نؤكد على اهمية تعزيز الهوية الرقمية للأفراد من خلال تشجيع استخدام أسماء حقيقية وتعزيز مشاركة المعلومات الشخصية بشكل مسؤول. فضلا عن اهمية تعزيز الحوار الاجتماعي حول أخلاقيات استخدام الإنترنت ودور المجتمع في تشكيل السلوك الرقمي الإيجابي. وهنا يمكن للمؤسسات التعليمية أن تعمل على تضمين مفاهيم حول الأخلاقيات الرقمية ومخاطر السلوك الفاضح في المناهج الدراسية. ويتم ذلك من خلال إدراج مواد تعليمية، تتناول موضوع الأخلاقيات الرقمية والسلوك الاجتماعي على الإنترنت في المواد الدراسية المختلفة. كما يمكن تطوير برامج توعية وورش عمل للطلاب لتعزيز الفهم لدى الطلاب حول أخلاقيات استخدام الإنترنت ومسؤولياتهم الرقمية. وفي سياق متصل يمكن تنظيم دورات تدريبية للمعلمين والموظفين في المؤسسات التعليمية حول كيفية التعامل مع حالات السلوك الفاضح على الإنترنت وكيفية التوعية بالمخاطر المحتملة. عن طريق التدريب على كيفية التعرف على سلوك الطلاب الرقمي وكيفية التفاعل معه بشكل فعّال ومساعدتهم في تطوير سلوكيات إيجابية على الإنترنت، من خلال تنفيذ برامج دعم للطلاب لمساعدتهم على التعامل مع الضغوط الاجتماعية والنفسية التي قد تؤدي إلى سلوك فاضح على الإنترنت. ختاما نوصي على ضرورة تنفيذ هذه البرامج بإشراف المستشارين النفسيين والمعالجين الاجتماعيين، لتقديم الدعم اللازم للطلاب وتوجيههم في كيفية التعامل مع الضغوط الرقمية بطريقة صحيحة وإيجابية.
إن تنفيذ هذه المقترحات لا شك سوف يساعد في بناء بيئة تعليمية تشجع على السلوك الرقمي الإيجابي وتعزز التوعية بمسؤوليات استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول.