حسب الله يحيى
الجسور التي امتدت في بغداد وعدد من المحافظات؛ تشير إلى نقطة جوهرية واساسية ومثيرة للانتباه وهي أن الحكومة ـ إن أرادت أن تعمل ـ فإن بإمكانها انجاز ما تريد عمله خلال فترة زمنية قصيرة، وليست بها حاجة إلى عشرين عاما لم تتمكن على طول وعرض هذه السنوات من بناء جسر واحد. والحكومة ـ اية حكومة ـ بإمكانها أن تفعل الكثير، لا بوصفها تمتلك عصا سحرية، لم تمتلكها الحكومات التي سبقتها؛ وإنما لانها وعدت الشعب، بأن تكون (حكومة خدمات)، وقد أفلحت في البر بوعدها، والنجاح في العمل هو أول اختبار لها.
وهذا الاختبار الموفق؛ لا بد من دعمه والثناء عليه، بوصفه من الأعمال المطلوبة للتخفيف من الازدحامات التي أثقلت على الناس.. إلى جانب ذلك، لا بد من دعم وتعزيز هذا الإنجاز عن طريق استكمال الأهداف المرجوة منه.
الى جانب الجسور، لابد من الاستفادة من الشوارع الخدمية كما هو الحال في مدينة الشعب ببغداد مثلا، بوصف الشارع المؤدي اليها شارع دولي ولابد من توسيعه وإزالة الجزرات الوسطية التي لا حاجة للمواطن بها.
كما أن الإبقاء على عملية استيراد السيارات مفتوحا؛ من شأنه أن يقلل أو يهمش مستقبلا كل ما تم بناؤه من
جسور.
وثمة أمر آخر يتعلق بتوعية المواطنين بدعوتهم، لاستخدام خطوط النقل العام، التي تنظمها الوزارات والدوائر الرسمية، إلى جانب تعاون الموظفين في ما بينهم وذلك بنقل زملائهم والتناوب في استخدام سيارة كل واحد منهم.. بدلا من الانفراد بقيادة السيارة بشكل منفرد.
هذا ما يتعلق بالجسور وحل مشكلة الازدحامات التي أصبحت عصية في السنوات الأخيرة.. فيما باتت الحلول موجودة وممكنة وقابلة للحل.
وهذه (الامكانية) تجعلنا نطمح ونمني أنفسنا بخدمات ليست مستحيلة ولا عصية، وفي مقدمتها إعادة الحياة إلى مئات المعامل والمصانع التي كانت قد توقفت مثل: معامل السمنت والسكر والمعلبات والألبان والغزل والنسيج وسواها. واذا ما تمَّ فتحها ودعمها وتوفير الماء الكهرباء اليها؛ فإنها سوف تستوعب المئات من العاطلين الذين يعانون من البطالة والفقر.
وكذلك الامر في استثمار الغاز العراقي، بدلا من احراقه وحل ازمة الكهرباء، التي سنواجه ذروتها صيفا.. إلى جانب بناء المدارس والمشافي.
مثلما نجد أن توفير الماء الصافي للمواطنين، ليست بالمسألة المستحيلة، فها هي مدينة الموصل، وبعد أن تخلصت من دمار داعش، ها هي توفر الماء النقي لمواطنيها، وتعيد البناء عاجلا إلى معظم مؤسساتها ومدارسها ومشافيها وحدائقها وبيوتها وشوارعها، والى إعمار الإنسان قبل بناء المدينة، بحيث وجد كل مواطن بأن لزاما عليه أن يسهم بهذا الاعمار، بالتعاون والتآزر، وتحمل جزءًا من هذا الإعمار الشامل.
واذا كانت السنوات المرة التي طوينا فيها صفحاتنا القاسية؛ قد مرت بعد أن كانت قد أثقلت علينا جميعا، في ظل غياب تام للخدمات.. فإن هذا العام والاعوام المقبلة، لا بد أن تشهد جملة من التحولات، التي لا يمكن أن تثمر وتنجح وتحقق ما نصبو اليه في التوجه إلى بناء عراق جديد يحقق السعادة والرفاهية، فإنه لا بد من العمل على بناء محورين أساسين هما:
ـ الامن والاستقرار
ـ محاربة الفساد.
صحيح أن هذين المحورين يواجهان الحكومة ويثقلان عليها؛ إلا أن الحكومة ـ إن أرادت مرة أخرى ـ أن تعمل بشكل واضح وحثيث وحقيقي وسليم؛ فإن بإمكانها أن تجد حلولا واضحة وسريعة، وذلك عن طريق منظومة أمنية فاعلة تعتمد على العدل والإنصاف من دون التعسف في استخدام القوانين.
اما التعامل بشكل قائم على المزاجية والعلاقات وتغييب للقوانين؛ فإن الامن لن يستتب والفساد لن يتوقف، بل إن غياب الامن مرهون ويتفاعل بشكل واسع مع آفة الفساد المزمنة، التي باتت تنخر الدولة العراقية برمتها وتجعل من العراق بلدا تعمّه الفوضى، وينتشر فيه الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وبالتالي تمتلئ السجون بالابرياء والمجرمين والمفسدين على حد سواء، وعندئذ تتحول (دور الإصلاح) كما هو الحال في تسمية (السجون) إلى معاقل لصناعة الفساد والجريمة داخل السجون ومن ثم نقلها إلى خارج الجدران، لتكون صورة وفعل يرهق المجتمع العراقي وقتل الحياة فيه.
لإن بناء إنسان واع، يحتاج إلى مجتمع يتفهم ويستوعب أهمية أن يكون هناك خطاب يثق به الناس، ولا يعدونه مجرد خطاب استهلاكي، وانما هو خطاب يعتمد العلمية الحقيقة والصادقة والمسؤولة في بناء العراق، الذي وطأ الأجنبي أرضه وعمد إلى تخريبه وإنهاء ابسط مقومات الحياة فيه.
فهل نشهد مستقبلا أعمالا تجسر ما بين الحكومة الوطنية الفاعلة والشعب، الذي بدأ يتفاءل ويترقب كذلك.
نعم.. لقد شهدنا قدرا من العافية وبنا طموح إلى مزيد من صفحات هذه العافية.