عبد الزهرة محمد الهنداوي
في تشرين الاول من عام 2021، أصدر برنامج الاغذية العالمي تقريرا، أثار غضبا عراقيا واسعا، عندما، وضع العراق جانب اكثر سبعة بلدان هي الاكثر فقرا على مستوى العالم، واغلبها من دول افريقيا التي ينخرها الجوع، حد العظم، واشار التقرير في حينه، إلى أن ثلثي العراقيين يبيتون جياعا، لأنهم غير قادرين على تأمين حاجتهم من الغذاء الذي يكفيهم لسد رمقهم! وقد استغرب الكثيرون مثل هذه المعطيات، التي لا تستند لبيانات أو تقارير يمكن الركون اليها، في قراءة الواقع الغذائي، والسلوك الاجتماعي للفرد العراقي في التعامل مع الطعام تحديدا،
وهنا لستُ بوارد مناقشة ذلك التقرير، بقدر ما اريد المقارنة من خلاله مع التقرير الذي أوردته مجلة امريكية، وقد كشفت فيه ان العراق يتصدر اكثر الدول هدرا للغذاء، فقد احتل المركز الاول عربيا والسابع عالميا من بين (196) دولة التي تهدر أكبر كميات من الغذاء، وفقا لدراسة التي اجرتها المجلة عام 2023.
ووفقا لهذه المقارنة، فإنه لايمكن للجائع ان يهدر كل هذه الكميات الهائلة من الطعام، بل المنطق يقول إنه سيكون شديد الحرص على مايحصل عليه من مواد غذائية.
ومرة أخرى أقول أنا لا أريد أن أقارن بين التقريرين، ولا أريد البحث عن تبرير لسلوك الهدر الغذائي، انما سأحاول مناقشة أسباب الهدر، وما هي المعطيات التي يمكن أن يفرزها مثل هذا السلوك، وهل بالامكان وضع معالجات لتغيير ثقافة هدر الطعام؟
تشير بعض البيانات إلى أن الفرد العراقي يهدر قرابة (120) كيلو غراما من الطعام، سنويا، وبعملية حسابية بسيطة فإن مجموع ما يهدره العراقيون في العام الواحد يصل أكثر من (5) ملايين و(200) الف طن، وهذه الكمية تكفي لسد حاجة اكثر من مليون و(750) ألف انسان، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الانسان البالغ يحتاج (3) آلاف سعرة حرارية لكي يبقى على قيد الحياة.
ويتضح من هذه الارقام، الحجم الهائل من الكميات المهدورة من الطعام سنويا، فالعراقيون، بجميع الوانهم واطيافهم، يشتركون في صفة البذخ في الطعام، وتعد هذه من السلوكيات المتوارثة، فهم يعتبرونها من مكارم الأخلاق، وهذا يتضح بنحو جلي في مناسبات الفرح والحزن، وغيرها، على حد سواء، وكذلك في حال وجود ضيف في البيت، فاذا كان عدد المدعوين (100) شخص، فان الطعام المُعد لهم يكفي لـ(200) أو أكثر!، وبذلك فإن طعام الـ(100) الزائدة سيدخل في خانة الهدر، والمشهد ذاته نجده في المطاعم، اذ لا يوجد مطعم في العالم يشبه المطعم العراقي، من حيث كميات الطعام، التي تُقدم للزبائن!، الذين لا يستهلكون سوى ثلثها أو ربما اقل، ويتركون الباقي، مع غياب ثقافة أخذ الباقي البيت (سفري)!.
وبالتأكيد فإن ظاهرة هدر الطعام بهذا الشكل، لا ترتبط فقط بالجوع والبقاء على قيد الحياة، ففي هذا الكوكب ثمة بشر يعيشون على حافة الحياة، وهم بحاجة كل حبة رز أو قمح ليسدوا بها رمقهم، يقابلهم بشر آخرون يهدرون ملايين الاطنان مما لذ وطاب من الأطعمة!، أقول إن هذا الهدر تنجم عنه تداعيات أخرى لا تقل أثرا وخطرا عن الجوع، من بينها التلوث البيئي، وما ينجم عن ذلك من انبعاثات كربونية، وغير ذلك من التداعيات الإنسانية والبيئية الخطيرة.
وازاء سلوكيات متجذرة من هذا النوع، ماذا نحن فاعلون؟.
اعتقد اننا بحاجة لقانون ينظم عملية التعامل مع الطعام، كما اننا نحتاج الكثير من التوعية والتثقيف، بضرورة حسن التعامل مع الغذاء، وصولا تشكيل بيئة اجتماعية متفهمة لأهمية الطعام، وكيفية التعامل معه، ولا ننسى ايضا المؤسسة الدينية ودورها التنويري في هذا المجال، فالتبذير صفة مذمومة، والهدر هو أحد التمظهرات الجلية للتبذير.. أليس كذلك؟!.