أ.د. طلال ناظم الزهيري
تكتسب المكتبات المدرسية أهميتها وتميزها عن الأنواع الأخرى من المكتبات في طبيعة الارتباط المؤسسي والمستويات العمرية للمستفيدين منها. خاصة أنها مسؤولة عن تطور الوعي الفكري والثقافي للطالب في مرحلة بداية النضج، والذي في حال نجاحها بهذا الدور ستؤسس لبناء مجتمع واع ومثقف يقدر أهمية المعرفة والثقافة وكذلك أهمية القراءة والكتابة.
وعلى النقيض من الأنواع الأخرى من المكتبات، تتحمل المكتبات المدرسية مسؤوليات متنوعة، تشمل التشجيع الثقافي والدعم التعليمي والتطوير الأخلاقي والمثالي والاستكشاف العلمي. فضلا عن أهمية التكيف مع الأدوار الجديدة التي تتماشى مع التأثيرات المعاصرة على السلوك الفردي والمجتمعي، وصولا إلى أدوار اجتماعية جديدة تتلاءم مع المتغيرات التقنية التي باتت من أهم المؤثرات في طبيعة السلوك الفردي والمجتمعي في العصر الراهن.
مع هذا أصبحنا اليوم ننظر بشفقة إلى حال المكتبات المدرسية في العراق، التي تراجع دورها بشكل ملحوظ، إلى جانب تراجع دور المدرسة نفسها. لذلك فإننا نواجه اليوم تحديا مهما لمحاولة إعادة المكتبات المدرسية إلى دورها الحقيقي وإنشاء مرحلة جديدة هدفها إبراز أهمية المكتبات المدرسية. خاصة أن من أهم سمات العصر الرقمي اليوم، هي أن المعلومات أصبحت متاحة بسهولة أكثر من أي وقت مضى. إذ يمكن للطلاب الوصول إلى ثروة من مصادر المعلومات بفضل ما تقدمه الإنترنت من كتب الإلكترونية والتطبيقات التعليمية التي يمكن أن تعزز تجربتهم التعليمية. ومع ذلك، فإن وفرة المعلومات هذه، يمكن أن يصاحبها تحديات جديدة لأمناء المكتبات خاصة وأنهم أصبحوا مطالبين دائما في التنقل باستمرار بين مختلف المواقع لاختيار وجمع المصادر الرقمية كدور إضافي إلى أدوارهم التقليدية الأخرى ذات العلاقة باختيار واقتناء المصادر الورقية وإعدادها وتنظيمها، وتيسير سبل الإفادة منها، وذلك لضمان حصول الطلاب على أفضل أدوات التعلم الممكنة.
إذ لطالما كانت المكتبات المدرسية أماكن مهمة للتعلم والاكتشاف، لكنها أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى في تزويد الطلاب بإمكانية الوصول إلى المعلومات والمصادر التي يحتاجون إليها للنجاح. هذا الأمر صاحبه الكثير من التحديات التي تواجه المكتبات المدرسية، خاصة في كيفية تكييف مجموعاتهم وخدماتهم ومساحاتهم لتلبية الاحتياجات المتغيرة للطلاب والمعلمين.
ولعل من المفارقات المهمة في سياق الحديث عن تردي واقع المكتبات المدرسية في العراق التي تحول معظمها إلى مخازن أو غرف مهملة، أن وزارة التربية العراقية لم تعالج موضوع إدارة تلك المكتبات بالطريقة التي تضمن قيامها بدورها التربوي على أكمل وجه.
مع التأكيد على أن نظام المكتبات المدرسية رقم 54 لسنة 1974. لا يزال هو الأساس التشريعي الوحيد الذي ينظم عمل المكتبات المدرسية في العراق، مع الاعتراف بأن العديد من مواده وبنوده لم تعد صالحة للتنفيذ أو يتم تجاهلها من قبل معظم إدارات المدارس. وما يهمنا حاليا من هذا النظام هو أهمية مراجعة وتعديل المادة السادسة منه الفقرة 1. التي تنص على «تختار الهيئة التعليمية للمدرسة أو المعهد في كل سنة لجنة للمكتبة تتألف من المدير أو معاونة رئيس، ومن بعض أعضاء الهيئة التعليمية، ومن المكتبي المختص إن وجد، ومن بعض التلاميذ أو الطلاب، ويتولى أحد أعضاء اللجنة الإشراف المباشر على تنظيم المكتبة، ويسمى المشرف على المكتبة، ويكون مقررا اللجنة». في هذه الفقرة ذكر (المكتبي المختص) متبوع بعبارة (أن وجد). وهذا الأمر قد يكون له ما يبرره حينها بسبب ندرة المتخصصين في مجال المكتبات في عقد السبعينيات حيث لم يكن هناك قسم أكاديمي متخصص في تأهيل أمناء المكتبات في الجامعات العراقية. لهذا نجد النظام قد حول مهمة الإشراف على المكتبة إلى لجنة تتألف من مدير المدرسة وبعض أعضاء الهيئة التعليمية.
بالتالي وفي ظل تنامي عدد المتخصصين في مجال المعلومات والمكتبات حاليا ومستقبلا لا بد من إجراء تعديل على هذه الفقرة يتم من خلالها تكليف أمين المكتبة المختص بإدارة المكتبة والإشراف عليها. واليوم نتابع باهتمام مطالبات المئات من خريجي أقسام المعلومات والمكتبات في الجامعات العراقية الذين لا يجدون لهم فرصة للعمل خاصة وأن طبيعة التخصص ترتبط ارتباطا وثيقا بالمهن الحكومية ومن النادر أن يكون لهم دور في القطاع الخاص. مقابل ذلك نجد أيضا أن المكتبات المدرسية تفتقر في إداراتها إلى أمناء المكتبات أصحاب التأهيل الأكاديمي المتخصص. لذلك ومن أجل إعادة تنشيط المكتبات المدرسية في العراق، لا بد بداية الاعتراف بدورها المحوري، وتنفيذ الإصلاحات التشريعية، وضمان وجود أمناء مكتبات مؤهلين لإدارتها. ومن خلال معالجة هذه الجوانب، يمكننا بث حياة جديدة في المكتبات المدرسية، وتعزيز البيئات التي تمكن الطلاب وتساهم في المشهد التعليمي العام. وإدراكا للتحديات التي يواجهها خريجو أقسام المعلومات والمكتبات في العثور على فرص عمل، يجب على وزارة التربية أن تفكر جديا في استحداث درجة وظيفية بعنوان أمين مكتبة للعمل في المكتبات المدرسية. ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز فعالية المكتبات المدرسية بكوادر مؤهلة قادرة على تحقيق أهدافها بالوجه الأكمل.