شمخي جبر
عد ميثاق الأمم المتحدة الذي أعتمد في سان فرنسيسكو في العام 1945 أول معاهدة دوليَّة تشير، في عبارات محددة، إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق. وانطلاقاً من إيمان المنظمة الدولية بالمساواة في الحقوق بين الجنسين، وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) رفضه التمييز على أساس الجنس في مادته الثانية ورفضه للاسترقاق والاستعباد في المادة الرابعة، والتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية في المادة الخامسة
وأشار في المادة (16) على سن الزواج الذي هو سن البلوغ، والتساوي في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
ونصت المادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لا يعرض أحد لتدخل تعسّفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
وتشير الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995 «ان العنف ضد النساء هو أي عنف مرتبط بنوع الجنس، يؤدي على الأرجح إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال، والحرمان من الحرية قسراً أو تعسفاً سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحياة الخاصة.
وربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر عنه ما يعرف بإعلان وبرنامج عمل فينا (1993) بين العنف والتمييز ضد المرأة، الفقرة (38) على أن مظاهر العنف تشمل المضايقة الجنسيَّة والاستغلال الجنسي والتمييز القائم على الجنس والتعصّب والتطرّف.
نصف المجتمع مربية نصفه الاخر
حين نتحدث عن المرأة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدها فإنّنا نتحدث عن مجتمع بكامله بوصف المرأة نصف المجتمع ومربية نصفه الآخر، فكيف هو حال المرأة الأم التي ينتظر منها أن تربي الأطفال، المرأة الفقيرة، المهجرة، الأرملة، الأميَّة، المعنّفة دائما وأبدا؟، كيف تستطيع امرأة بهذه المواصفات بناء جيل يعول عليه؟، وهي الحضن الأول للطفل، الذي يمكن أن يدمّره ويخرّبه ويشوّهه أو يبنيه فينعكس كل هذا على حاضر المجتمع ومستقبله.
وإذا كانت المرأة هي نصف المجتمع ومربية نصفه الآخر فإنّها تستحق منا الكثير من الاهتمام، وهي مهمة الدولة التي يجب أن تقوم بمراجعة الواقع الذي تعيشه النساء وما تواجه من تحديات، وبخاصة في المناطق التي تشهد اضطرابات سياسية أو أعمال عنف، تكون المرأة إحدى ضحاياها بوصفها من الفئات الهشة داخل المجتمع.
إذا كانت المرأة قد تعرضت في ظل النظام الدكتاتوري إلى شتى أشكال العنف في دوامة الحروب و الحصار، ولم تكن أوضاعها بعد 2003 بأحسن من سابقتها من السنوات العجاف. اذ تعرضت لعدة أنواع ومستويات للعنف والتمييز.
أوله عنف المجتمع بعد غياب أجهزة الضبط الرسميّة وغير الرسميّة، والثاني هو النزاعات المسلحة والعنف والذي أصبحت هدفه المباشر وغير المباشر، والثالث عجز المؤسسات الرسميّة عن أداء وظيفتها وتحملها للأعباء الناتجة عن غياب الخدمات، أما المستوى الرابع فهو هيمنة الجماعات المتشددة واستخدامها التهديدات ضد المرأة لدفعها للانزواء.. فأصبحت المرأة في ظل كل هذه الأوضاع أحد أهداف العنف وضحاياه.
ضحايا العنف
فضلاً عن زيادة انتشار ظاهرة ما يُسمّى «بجرائم الشرف وتعرضهن للاختطاف لدوافع إجراميَّة أو سياسيَّة، يضاف إلى هذا ازدهار ظاهرة الاتجار بالنساء والأطفال (تجارة الجنس).
وزيادة في نسبة الزواج المبكّر، بعد إلغاء القانون (188) لسنة 1959 على وفق المادة الدستورية (41).
وأهم ما واجهته المرأة هو زيادة تنذر بالخطر في مستويات الفقر التي تؤثر سلباً على حياة النساء، لا سيما في ظل وجود مئات الآلاف من الأرامل.
المشكلة الأهم هي عدم وجود ملاذات آمنة للمعنّفات إذ تقف بعض الجهات موقفا سلبيا من هذا الأمر، وهذا ما زاد المشكلة اتساعا وتأثيرا.
وربما يعد الزواج المبكر للقاصرات أحد أشكال العنف، كذلك العنف القانوني والذي يتمثل بالتمييز القانوني بين الذكر والأنثى لا سيما في مجال فرص العمل أو تسنم المناصب العليا في الدولة.
وقد يبرز مفهوم آخر هو التمييز ضد المرأة، وهو الخطوة الاولى نحو العنف، وهو التمييز على أساس النوع الاجتماعي، الذي يراه البعض أنّه العنف بعينه ويعرف التميز ضد المرأة بأنه: أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أعراضه النيل من الاعتراف بالمرأة وتمتعها بحريتها وبالحقوق والحريات الاساسيّة في الميادين كافة سياسيّة واقتصاديّة ومدنيّة بصرف النظر عن حالتها الزوجيّة على قدم المساواة مع الرجل.
المرأة في مجتمعنا عانت الكثير من العنف والتهميش والاضطهاد الذي كان يقع عليها مضاعفاً، لأنّها أولا تتلقى الحرمان والاضطهاد حالها حال الرجل، فضلا عن هذا فإنّها تتلقى نصيباً آخر كونها أنثى، لانَّ مجتمعنا ينظر إليها نظرة سلبيَّة من أول يوم ولادتها، حين يقال لأحدهم أن زوجته ولدت (بنت) يشعر وكأنّ صاعقة أو مصيبة وقعت على رأسه.
ظلت هذه النظرة للأنثى على الرغم من نهي الاسلام عن نظرة التفريق هذه والتي امتدت إلى الأمثال الشعبية، (مكروهة وجابت بت) ولانها ولدت بنت ستتضاعف الكراهية ضدها، وحرمت المرأة من ممارسة دورها الإنساني فحرمت من التعليم لفترات طويلة.
وكان ينظر لها داخل الأسرة إنسان من الدرجة الثانية فيقدم عليها الذكر داخل الأسرة في كل شيء، وكأم وزوجة فليس لها رأي في إدارة المنزل والرأي الأول والأخير للرجل.
إنَّ حرمان المرأة من حقوقها كإنسان في بناء شخصيتها في التعلّم والثقافة والتربية، يصبح له آثار سيئة على الأسرة والمجتمع.
هدر للثروة البشريَّة
والمرأة ليست نصف المجتمع بل هي كل المجتمع فإذا صلحت صلح حال المجتمع، وأن تدهورت أوضاعها ولاقت الإهمال يصبح المجتمع كسولا بلا إرادة لأنّها من يبني المجتمع من خلال دورها
كأم. ولكن للأسف ظلت علاقتنا بالمرأة يشوبها الكثير من الازدراء والمهانة والإذلال ومصادرة الحرية في سلسلة طويلة من العذابات وحسب هشام شرابي فإنَّ (الاضطهاد في مجتمعنا هو ثلاثة أنواع اضطهاد الفقير، واضطهاد الطفل، واضطهاد المرأة أنه من المفجع أن يلد الإنسان أنثى في مجتمعنا وطالما أن المرأة أن لم تتغير فإنّ الإنسان غير قابل للتغيير).
إنَّ المرأة وصلت في مجتمعنا إلى مرحلة سمتها خالدة سعيدة (عبدة العبد).
يشير الكثير من المختصّين إلى أن المسوغات الثقافيَّة والقانونيَّة لهذه الظاهرة جاءت نتيجة للثغرات الموجودة في الأطر القانونيَّة السابقة.
موقف الدين الإسلامي
يُتَّهم الدينُ الإسلامي ونصوصُه وتفسيراتها وبعضُ أحكامه الشرعيّة بأنّه أحد مصادر العنف ضد المرأة، إلا أن لبعض الفقهاء والمتنورين منهم رأي مختلف، جاء في القرآن الكريم، إذ يتخذون من بعض النصوص مصادر ومراجع لمواقفهم المعتدلة من المرأة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
وورد في حديث للنبي الأكرم (ص) (إنَّ النساء شقائق الرجال) وكذلك قوله (استوصوا بالنساء خيراً).
لحظات ثقافيَّة ودينيَّة مشرقة
ويقف على رأس الفقهاء المجددين المجتهد اللبناني محمد حسين فضل الله الذي تميزت مواقفه بروح التجديد والإبداع التي يتسم بها فكره الاجتماعي، والذي امتدَّ إلى فتاواه الشرعيَّة وقد ثارت ثائرة المؤسسة الدينيَّة والكثير من رجال الدين ضده حين أصدر بياناً شرعياً لمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي أفتى فيه (يجوز للمرأة الدفاع عن نفسها ضدّ عنف الرجل)، فيقول محمد حسين فضل الله وهو يتحدث عن العنف ضد المرأة: (العُنف النفسي الذي يُهدّد فيه الزوج زوجته بالطلاق أو بغيره، أو عندما يتركها في زواجها كالمعلّقة، فلا تُعامل كزوجة، أو الذي يستخدم فيه الطلاق كعنصر ابتزازٍ لها في أكثر من جانبٍ، فتفقد بالتالي الاستقرار في زواجها، ممّا ينعكس ضرراً على نفسيّتها وتوازنها.
إلى العنف المعيشي الذي يمتنع فيه الزوج أو الأب من تحمّل مسؤوليّاته الماديّة تجاه الزوجة والأسرة، فيحرم المرأة من حقوقها في العيش الكريم، أو عندما يضغط عليها لتتنازل عن مهرها الذي يمثّل ـ في المفهوم الإسلامي ـ هديّة رمزيّة عن المودّة والمحبّة الإنسانيّة، بعيداً عن الجانب التجاري.
غياب المعالجة القانونيَّة
وقد قدمت منظمات المجتمع المدني مسودة قانون إلى السلطة التشريعة بعد مناقشات مستفيضة مع الفئات المستهدفة، ومسودة القانون هذه تستمد شرعيته من المادة 29 من الدستور التي ركزت على أهمية إيجاد قانون محدد لمواجهة العنف الأسري، فضلا عن أن الاتفاقيات الدوليَّة التي وقع عليها العراق كاتفاقية سيداو والإعلان العالمي لحقوق الانسان، تركز على هذا الجانب.
ولكن للأسف ظلت هذه المسودة طي أدراج مجلس النواب منذ 2012، بل قُدِمَ مشرع قانون بديل عنها وفقا للأهواء السياسية والمتبنيات الثقافية والاجتماعية لبعض الأحزاب والتي تقف موقفا سلبيا من حقوق المرأة. وكانت الأمم المتحدة قد حثت البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الاسري وسط تقارير مثيرة للقلق عن ارتفاع في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري في جميع أنحاء البلاد.
وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤخرا: «إنّ أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ. إنه المنزل.
ولذا، فإنّني أوجّه نداءً جديدًا اليوم من أجل السلام، في المنازل في جميع أنحاء العالم. إنني أحثّ جميع الحكومات على جعل منع العنف ضدّ المرأة وجبر الضّرر الواقع من جرّاء هذا العنف، جزءًا رئيسيًا من خططها الوطنيّة.