أ.د عامر حسن فياض
جمعت إسرائيل في عداونها على غزة وبجدارة تامة كل أصناف الجرائم الدولية كجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية والجرائم المخالفة لقواعد الحروب. وعلى امتداد عمر الكيان الإسرائيلي لفلسطين سخر المخطط الدعائي الصهيوني حملة من البدع والأوهام والأساطير، ليرتكز عليها في تبييض توحشه وتبرير عدوانيته والتستر على جنونه، بعد أن غلف تلك البدع والأوهام والأساطير بمقولات وشعارات برّاقة مصبوغة بألوان التاريخ والرقي والتمدن وحق الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب، وهذه المقولات تمثلت أبرزها
بـ: - مقولة الحق التاريخي أو أرض الميعاد: أي الإدعاء أن حق اليهود في فلسطين هو حق تاريخي وإلهي مقدس. وعلى أساس ذلك ادعت إسرائيل حقا هو (حق العودة)، فصورت الدعاية الصهيونيَّة للرأي العام العالمي أن اليهود طردوا من فلسطين (أرضهم) على يد الرومان وأن لهم الحق في العودة، اما العرب وفق هذه المقولة، فإنهم غزاة ودخلاء وبدو رحل لا حقوق ولا حدود لهم في فلسطين. والحقيقة أن اليهود قبل الميلاد لا علاقة لهم بالحركة الصهيونيَّة وبرنامجها الدعائي الذي وضع هذا الزعم، فهي حركة نشأت في القرن التاسع عشر واستغلت الدين وحولته إلى حركة سياسية.
- مقولة العداء للسامية: فقد قامت النازية بعمليات إبادة ضد القوميات والأجناس المختلفة، التي شملت شعوبًا عدة غير آرية. واستثمرت الحركة الصهيونيَّة وخطابها الدعائي هذه المآسي الانسانية لخدمة أهدافها، بل إنها هي التي ساهمت في تأجيج العداء لليهود في أرجاء مختلفة من بلدان العالم. فعلى سبيل المثال أمر «بن غوريون» أبرز زعماء الحركة الصهيونيَّة بتفجير معبد يهودي في بغداد قبل إعلان دولة إسرائيليَّة لإحياء فكرة العداء العربي للسامية، وضمان تدفق هجرة اليهود من البلدان العربية إلى فلسطين. والملاحظ أن اليهود يتهمون العرب بالعداء للسامية، في حين أن العرب ساميون بالاصل، بينما تشير الكثير من الدراسات العلمية الحديثة أن اليهود من جنس الخزر، وليسوا من الجنس السامي، وهو الذي ينطبق ايضاً على يهود الفلاشا.
- مقولة الجنس اليهودي الراقي: وهنا يزعم المنطق الدعائي الصهيوني أن اليهود هم من أنقى الأجناس التي خلقها الله لأنهم «شعب الله المختار، شعب التوراة»، وهو إدعاء شبيه بإدعاء النازيين حول رقي وتمييز العرق الآري. لذلك فإن الحركة الصهيونيَّة، وبرنامجها الدعائي حارب منذ وقت مبكر الاختلاف والاندماج اليهودي بالأجناس والقوميات والمجتمعات الأخرى، وشجعت اليهود على العيش في تجمعات يهوديَّة مغلقة (الغيتوات) أو الهجرة إلى فلسطين. في حين أن اليهود في حقيقتهم، هم خليط من أجناس متعددة وقوميات مختلفة، فهم في فلسطين قادمون من أكثر من 90 بلداً، وهم يتكلمون اكثر من 700 لغة ولهجة. كما أن هناك تمييزاً واضحاً داخل إسرائيل بين اليهود من اصل غربي (الاشكنازيم)، واليهود من أصل شرقي (السفارديم).
- مقولة الأمة اليهوديَّة: فعند الصهيونيَّة ومنطقها الدعائي هناك اراء غريبة وفريدة حول القومية والأمة. فالقومية تقوم عندهم فقط على مقوم واحد هو «وحدة الديانة «. ولو كان الأمر كذلك فإن العالم ككل سينقسم إلى عدد صغير من القوميات مساوٍ لعدد الأديان القليل. ولكانت دول أوروبا وأمريكا تشكل قومية واحدة ما دام معظم قاطني القارتين، يدينون بعقيدة دينية واحدة هي الديانة المسيحية.
- مقولة إسرائيل حامية الغرب وحاملة رسالته في الشرق الأوسط: وهنا تكون إسرائيل محاربة لكل من يعادي الغرب في الشرق الأوسط. والإدعاء أن انتصارها على العرب هو انتصار للسلاح الغربي الأمريكي. فهي قوية ستكون ركيزة من ركائز الأمن في الشرق الأوسط، وهي قوية ستكون ايضاً قادرة على حماية مصالح الغرب في المنطقة.
- مقولة الأرض الخالية والصحراء القاحلة: وهنا تزعم الدعاية الصهيونيَّة ان فلسطين خالية وصحراء قاحلة بعد طرد اليهود منها على يد الرومان قبل اكثر من الفي عام. وبسبب هذا الخلو فان هناك حقاً في العودة وحقاً في الاستيطان من جديد لغرض تعميرها. وبموجب هذا الإدعاء فهناك بلد اسمه فلسطين بدون شعب. وهناك شعب يهودي بدون ارض. ومن الضروري كما يقول (حاييم وايزمن) أول رئيس لدولة إسرائيل « وضع الجوهرة في الخاتم، اي جمع الشعب اليهودي في الارض». ان مقولة (ارض بلا شعب لشعب بلا ارض) هذه تستغل لغرض اقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين. ويتفرع عنها إدعاء (الصحراء القاحلة) أو (فلسطين غير المعمرة). وهذا الإدعاء يروج في الغرب عبر قنوات الدعاية الصهيونيَّة لدفع اليهود إلى الهجرة لفلسطين.
- مقولة الجيل الجديد (الصابرا) :- ومفادها ان هناك جيلاً جديداً قد تشكل في إسرائيل ونشأ في فلسطين بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948م، ومن حقه بالتالي العيش والاستيطان فيها، ولا يمكن اخراجه منها أو طرده، لأن أية عملية طرد هي عملية عدوانية وضد حقوق الانسان اليهودي، وهذا الجيل هو اساس الامة العبرية أو الامة الإسرائيلية.
- مقولة إسرائيل الصغيرة :- وهي من اكثر المقولات استخداماً بعد تأسيس دولة إسرائيل. فيقارن الصهاينة بين المساحات التي يشغلها العرب، وهي كبيرة وواسعة تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الاطلسي، وبين مساحة إسرائيل الصغيرة وسط المساحات العربية الشاسعة، وعلى هذا الأساس يطرح الصهيونيون قضية الحدود الإسرائيلية الآمنة لتبرير السياسات التوسعية لإسرائيل.
- مقولة إسرائيل المكافحة من أجل العيش والبقاء : وهنا تضفي الدعاية الصهيونيَّة على إسرائيل صورة الدولة المهددة باستمرار، وتصور أن وجود هذه الدولة مهدد باستمرار وبخطر دائم من قبل العرب وما تسميهم بــــ «الارهابيين». كما تزعم الدعاية الصهيونيَّة بموجب هذه المقولة، أن إسرائيل مسالمة وتريد العيش والبقاء واتقاء أخطار العرب، وبهذا تبرر عدوانها المتكرر على الأراضي العربية مثل عدوان عام 1967م وضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981م واحتلال جنوب لبنان والجولان، وضرب المخيمات تحت بند الحروب والاعمال الوقائية لجيش «الدفاع» الإسرائيلي.
ولعل أفضل من فَند هذه المقولات، بوصفها بدعًا واكاذيب إسرائيلية، هو المفكر الفرنسي (روجيه غارودي) في كتابه، الذي يحمل عنوان( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)