عرف التاريخ البشري الكثير من عمليات الاغتيال منذ نشأته وحتى يومنا هذا، فمنذ أن قام قابيل بقتل هابيل، وهو ما يمكن اعتباره شكلاً من الاغتيال السياسي طالما أنه انطوى على صراع على السلطة والنفوذ في زاوية ما، منذ ذلك الوقت وعمليات القتل تتوالى والحوادث التي سجلها التاريخ لا تعد ولا تحصى، حتى مع ظهور الدول الحديثة وانتشار الديمقراطية لم تتوقف تصفية الخصوم السياسيين وبشكل فج ومفضوح لا يدع مجالاً للشك في أشخاص المتهمين
ولم يكن بالضرورة أن يتم الاغتيال على أيدي ألد الأعداء، فأحياناً يمكن أن يشارك به أقرب الأصدقاء، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك حادثة مقتل يوليوس قيصر الذي رأى صديقه من بين الذين يحاولون قتله، حينها قال عبارته الشهيرة: «حتى أنت يا بروتوس» ومات.
اليوم يعيد مقتل زعيم قوات فاغنر يفغيني بريغوجين إلى الأذهان ظاهرة الاغتيال السياسي، فمنذ إعلان تحطم الطائرة التي كان على متنها، حتى بدأت التحليلات تتجه إلى عملية تصفية قامت بها السلطات الروسية، رداً على تمرد فاغنر ليلة الرابع والعشرين من حزيران الماضي، ما كان يخطر في بال أحد أن يغفر الروسي ما قامت به قوات فاغنر من تمرد ومحاولتها السيطرة على موسكو، في ذلك اليوم تمت التسوية بين الطرفين، تسوية لم تكن سوى امتصاص للحدث والتريث في رد الفعل أو اتخاذ القرار بما يخص العقاب المناسب.
لم يكن الدافع السياسي هو المحرك الوحيد لعمليات الاغتيال، التي سجلها التاريخ وتلك التي بقيت طي النسيان، ثمة الكثير من الدوافع منها العقائدي الديني، والفكري الأيديولوجي، ودوافع اقتصادية وعسكرية، يكون الدافع سياسياً حين تعمد إحدى القوى، سواء كانت دولة أو منظمة أو جماعة إلى اغتيال إحدى الشخصيات المعارضة التي تشكل أفكارها عائقاً أمام استتبات السلطة لتلك الجماعة أو الحزب أو غيرها من تنظيمات، وتاريخ الحكومات حول العالم ومنها الدول العربية حافل بهذا الشكل من الاغتيالات، إذ غالباً ما تلجأ السلطة الحاكمة إلى تصفية معارضيها ظناً منها أنها بذلك تسكت أصواتهم وتقتل أفكارهم.
أما الدوافع العقائدية والدينية والفكرية فتعتبر الأكثر انتشاراً لاسيما في البلاد التي يغلب عليها الصراع العرقي والديني والمذهبي، حيث تلجأ جماعات متطرفة إلى اغتيال الشخصيات الفكرية لا لشيء، إلا لأنها لم تتماه مع معتقداتها، أو قالت بما يخالف توجهاتها وانتقدت بعضاً من أفكارها، ها هي جماعة الإخوان المسلمين في مصر تصدر في العام 1992 فتوى بقتل المفكر الكبير فرج فودة، لينفذ القتل شخص لم يقرأ يوماً سطراً مما خطه قلمه، قتل! لأنه حاول من خلال مشروعه الفكري إيقاف المد الأصولي في الشارع المصري خاصة والعربي بشكل عام، وتفكيك خطاب الجماعات الدينية، فضلاً عن محاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ، وغيرهم الكثير من الشخصيات الفكرية التي تعرضت للقتل أو محاولته، لأنها سلكت درب التنوير في مجتمعات تقتات على الماضي وتحرص عليه.
إنّ ثقافة الاغتيال تشي بحالة من عدم الاستقرار في الدولة والمجتمع، وغياب أية رغبة بالحوار والنقاش وإيجاد التسويات التي من شأنها حل الخلافات، وهي بطبيعة الحال ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلد دون آخر، فحتى في أعظم الدول وأكثرها ديمقراطية كما تروج تم اغتيال رئيسها «جون كيندي»، فما بالنا في بلاد لا تفتقر فقط إلى الديمقراطية، بل تتعنت في ممارسة السلطة، وتؤله الحاكم، وتقدس التراث، هنا يغدو الاغتيال لغة أكثر منه أداة لسلطة أو جماعة، ويغدو القتل لمن يخرج على الاجماع عقيدة، وتتحول الرصاصة حبة مسكن لسلطات قلقة.
الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع