في السعي للنهوض بمكانة الجامعات العراقية على الساحةِ العالمية، تبرز ركيزتان محوريتان كقوى دافعة لهذا المسعى: العلماء المتفانون الذين يساهمون بلا كلل في المعرفة والابتكار، والإداريون المثابرون الذين يقودون المؤسسات نحو التميز. في حين أن كلا الكيانين يلعبان أدوارا حاسمة، إلا أن السياسة المتبعة في وزارة التعليم العالي العراقية تذهبُ إلى تركيز غير متوازن على الامتيازات الممنوحة للقيادات الإدارية مما أدى إلى تهميشِ الدورِ الذي لا غنى عنهُ للعلماءِ.
لقدْ حانَ الوقتُ لإعادةِ ضبطِ هذا التوازنِ وتعزيزِ بيئةٍ يتمُ فيها الاعترافُ بالعلماءِ وتمكينهمْ وتحفيزهمْ لقيادةِ المهمةِ في تحقيقِ الشهرةِ الأكاديميةِ.
لا شك أنَ تأثيرَ العلماءِ على مسارِ الجامعاتِ نحوَ مراكزَ رفيعةٍ في التصنيفِ الدوليِ لا يمكنُ التقليلُ منهُ. هؤلاءِ الخبراءِ همْ قلبُ وروحُ أيَ مؤسسةِ أكاديميةٍ، ويدفعونها إلى الأمامِ منْ خلالِ البحثِ الرائدِ، وتعزيزَ التفكيرِ النقديِ، ورعايةُ الجيلِ القادمِ من المفكرينَ. غالبا ما يمرُ سعيهمْ الدؤوبُ للمعرفةِ دونَ أنْ يلاحظهُ أحدُ وسطَ الصخبِ للحصولِ على المناصبِ والمكافآتِ إداريةٍ. فبينما تسعى الجامعاتُ العراقيةُ إلى المنافسةِ عالميا، منْ الضروريِ التركيزِ مجددا على الاعترافِ بالمجتمعِ العلميِ ودعمهِ. يكمنَ مفتاحُ تنشيطِ المشهدِ الأكاديميِ في فهمٍ أنَ النجاحَ لا يقاسُ فقطْ بالامتيازاتِ الماليةِ والاعتباريةِ، ولكنْ منْ خلالِ تعزيزِ بيئةِ أكاديميةٍ تقدرُ النموَ الفكريَ والمساهمةَ العلميةَ. يجب الاعترافُ بدورِ العلماءِ لتفانيهمْ ورؤاهم المبتكرةِ وعمقِ المعرفةِ التي يجلبونها إلى مجالاتِ تخصصهمْ. في حينِ أنَ الحوافزَ الماديَّةَ يمكنُ أنْ تكونَ بمثابةِ محفزاتٍ، إلا أنها ليستْ بديلاً عنْ الرضا الفكريِ المستمدِ من المساهماتِ المفيدةِ في الأوساطِ الأكاديميةِ. لتحقيقِ ذلكَ، من الضروريِ إدخالُ نهجٍ شاملٍ يلبي احتياجاتِ العلماءِ والباحثينَ. يتمثل أحدُ التدابيرِ الملموسةِ في إنشاءِ نظامٍ يقيمُ مساعيهم العلميةَ، معَ مراعاةِ تخصصهم الموضوعيِ وتأثيرِ عملهمْ. لا ينبغي لعمليةِ التقييمِ هذهِ أنْ تعترفَ بالمنشوراتِ والاستشهاداتِ فحسب، بلْ يجبُ أيضا أنْ تأخذَ في الاعتبارِ الآثارَ العمليةَ لأبحاثهمْ ومؤلفاتهمْ وتعاونهمْ ومساهماتهمْ في المجتمعِ.
على نفسِ القدرِ من الأهميةِ هيَ الامتيازاتُ الماديةُ والمعنويةُ التي يجبُ أنْ تصاحبَ هذا الاعترافِ. وعليهِ نقترح أنْ تنفذَ الجامعاتُ العراقيةُ برنامجا لتكريمِ الأساتذةِ المتميزينَ في كلِ تخصصٍ موضوعيٍ.
يجبَ أنْ تكونَ هذهِ التكريماتِ ذاتِ شقينِ : ماليةً واعتباريةً. يمكنَ أنْ تتخذَ المكافآتُ الماليةُ شكلَ منحٍ أو تمويلٍ بحثيٍ أو زياداتٍ في الرواتبِ لضمانِ أنْ يتمكنَ العلماءُ منْ مواصلةِ عملهمْ دونَ عبءِ القيودِ الماليةِ.
علاوةٌ على ذلكَ، فإنَ الاعترافَ الأخلاقيَ منْ خلالِ التقديرِ العامِ والجوائزِ والدعمِ لحضورِ المؤتمراتِ الدوليةِ يمكنُ أنْ يغرسَ الشعورُ بالفخرِ والانتماءِ، مما يحفزهمْ على التفوقِ أكثرَ. إنَ تعزيزَ الأوساطِ الأكاديميةِ هوَ مسعى جماعيٌ ينطوي على تعاونِ الإداريينَ والعلماءِ والطلاب وصانعي السياساتِ.
أنَ تحقيقَ التوازنِ بينَ الكفاءةِ الإداريةِ والنموِ الأكاديميِ ليسَ بالمهمةِ المستعصيةِ ؛ بلْ هوَ استثمارٌ ستراتيجيٌ في مستقبلِ الجامعاتِ العراقيةِ نحوَ تحقيقِ مراتبَ متقدمةٍ في تصنيفِ الجامعاتِ الدولي قائم على تضافرِ جهودِ العلماءِ والإداريينَ.
في حينِ أنَ الإداريينَ لهمْ دورهمْ في تشكيلِ المشهدِ الإداريِ، يجبَ ألا يتمَ التعتيمُ على جهودِ العلماءِ. منْ خلالِ الاعترافِ بالعلماءِ ورعايتهمْ، وتقييمَ مساهماتهمْ، وتوفيرَ الحوافزِ الماديةِ والمعنويةِ، يمكنَ للجامعاتِ العراقيةِ أنْ تمهدَ الطريقَ لمستقبلٍ أكاديميٍ أكثرَ إشراقا - حيثُ يقفُ السعيُ وراءَ المعرفةِ والابتكارِ في طليعةِ تقدمِ الأمةِ. ولا شك أنَ تقديرَ جهدِ الأساتذةِ العلماء بدرجةٍ لا تقلُ عنْ تقديرِ جهدِ الأساتذةِ المدراءْ.
سوفَ يسهمُ في إعادةِ التوازنِ للتأثيرِ الأكاديميِ ويعيدُ البوصلةَ المهنيةَ إلى أهميةِ التميزِ العلميِ كخيارٍ أفضلَ منْ التسابقِ للحصولِ على المناصبِ الإداريةِ.
الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع