بغداد-واع – ريا عاصي
تواجه العائلات العراقية تحديات كبيرة في تربية المراهقين بسبب التطور السريع للتكنولوجيا ووسائل التواصل، وتختلف التحديات التي يواجهها الآباء والأمهات في مختلف البلدان والثقافات في العالم.
وفي هذا الصدد قالت الباحثة الاجتماعية نور لوكالة الأنباء العراقية(واع): إنها"ومن خلال الخبرة في العمل مع المراهقين نحو خمسة عشر عاماً، أعمل كباحثة اجتماعية في إحدى مدارس الكرخ في بغداد، لكنني أقف حائرة اليوم بعد أن واجهتني مشكلة لأحد أبنائي المراهقين ويبلغ من العمر 14 عاماً، الذي تعرض للابتزاز الالكتروني في الآونة الأخيرة، وهو أمر لا أفهم كيفية التعامل معه".
وأضافت: " زوجي يعمل لساعات طويلة خارج المنزل ويضطره عمله أحياناً للسفر الى المحافظات، ما يتسبب بتحملي لجميع أعباء المنزل من متابعة وارشاد لأطفالي، وبالرغم من محاولاتي العديدة لمواكبة التكنولوجيا وكل ما يتم تداوله في الانترنت إلا أنني أقف عاجزة عن فهم وإدراك كمية البرامج التي يستخدمها أبنائي بيسر ويقضون وقتهم مع الألواح الالكترونية سواء كانت حاسوباً أو شاشة آيباد أو هواتف حديثة".
وأشارت الباحثة الى أنه" تم اختراق حسابات ابني في السوشيال ميديا عبر إحدى الألعاب الالكترونية في الاتصال المباشر بالانترنت ومع مجاميع أخرى كبيرة، حيث تم ابتزازنا عن طريق دفع أرصدة كارتات هاتفية بمبالغ طائلة أو يتم نشر صور ابني عبر مواقع التواصل الاجتماعي."
وفي سؤال عن كيفية تعامل العائلة مع أبنائها تحدث أبو همام الذي يعمل (مهندس مسّاح) في إحدى الشركات الخاصة قائلاً: "إن طبيعة عملي تجبري على السفر خارج بغداد لفترات طويلة، ولكنني أحاول دوماً التواصل مع أبنائي وبناء الثقة لأننا نعتقد أنه في الحوار عافية، بعد أن حدثتني زوجتي عن المشكلة وأبلغتني بنيتها للاتصال بالخط الساخن المجاني للشرطة المجتمعية (479) إذ من خلال عملها تمكنت من مساعدة العديد من المراهقين وعائلاتهم عبر الاتصال بالشرطة المجتمعية".
من جهة أخرى أوضح تقرير لليونيسف الذي صدر العام 2017، أن" المراهقين هم الأكثر عرضة للابتزاز الالكتروني، وخاصة الفتيات، وأظهر التقرير أيضاً أن 1 من كل 3 أطفال يتعرض للتحرش عبر الانترنت".
وفي تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أكدت المفوضية على أن "الابتزاز الالكتروني يتفاقم بشكل كبير في العالم، وأنه يشمل مختلف أنواع الاحتيال والتهديدات، بما في ذلك ابتزاز المراهقين بصورهم العارية ومحتوياتهم الشخصية".
وأشار التقرير الصادر عن الشرطة البريطانية الى أن "عدد البلاغات التي تتلقاها الشرطة حول الابتزاز الإلكتروني أن" غالبية الحالات تشمل الشباب والمراهقين"، مبيناً أن"الابتزاز الالكتروني هو مشكلة عالمية، ويجب العمل على زيادة الوعي حولها وتوفير حلول للوقاية منها ومكافحتها".
من جهتها أكدت الباحثة في علم النفس التربوي والتدريسية في جامعة بغداد نادية حسن عبد الله لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن"العراق يواجه مشكلات عديدة في مجال حماية الأطفال والمراهقين من التحرش الالكتروني والابتزاز الالكتروني، ورغم أن الحكومة العراقية اتخذت بعض الإجراءات للتصدي لهذه المشكلة، إلا أن هناك حاجة إلى جهود أكبر لحماية الأطفال والمراهقين من هذا النوع من الاعتداءات".
وتابعت أنه "من بين الجهود التي قامت بها الحكومة هو تشكيل لجنة تابعة لوزارة الداخلية للتحقيق في قضايا التحرش الالكتروني والابتزاز الالكتروني"، مضيفاً أنه" تم إعداد مشروع قانون يتعلق بجرائم الانترنت في العراق، ولكنه لم يتم إقراره حتى الآن".
وأشارت الى أنه "من الأمور الضرورية التي يجب القيام بها، هي توفير التوعية والتثقيف للأطفال والمراهقين والأهل والمجتمع بشأن هذه المشكلة وطرق الوقاية منها، كما يجب تشجيع الإبلاغ عن حالات التحرش الالكتروني والابتزاز الالكتروني وتطوير آليات فعالة لمكافحتها، وتحسين التشريعات القانونية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم".
يذكر أن وزارة الداخلية"حرصت على انضمام النساء للعمل من ضمن دوائرها المهتمة بالأسرة والطفل لضمان إيجاد حلول للعائلات العراقية التي تجد صعوبة في التعامل مع المراهقين، إذ تم تأسيس الشرطة المجتمعية عام 2015، وانضمت العديد من النساء الضابطات والعاملات فيه ومهمتهن توعية المجتمع حول حقوق المرأة ودورها في المجتمع وحماية حقوق المرأة والطفل ومكافحة الابتزاز الالكتروني عن طريق إقامة ورش تثقيفية لكيفية حماية المعلومات الشخصية".
من جانبها تحدثت قائد فرقة حماية المرأة في مدينة الصدر في بغداد العقيد سهيلة العبودي لوكالة الأنباء العراقية (واع :"للأسف، لا يوجد تقرير رسمي يتعلق بعدد المراهقين في العراق الذين تعرضوا للابتزاز الالكتروني، حيث إن هذا الموضوع يعد حساساً، وقد يكون صعباً على المراهقين الإبلاغ عنه ومع ذلك، فإن الابتزاز الالكتروني يشكل تهديداً جديداً يواجه المراهقين في العراق، مثلما هو الحال في العديد من الدول الأخرى".
وشددت العبودي على أن"يكون لدى الأهل والمراهقين الوعي الكافي حول هذا الموضوع، والحرص على تعزيز الأمان والخصوصية الالكترونية والتعرف على طرق الوقاية والحماية من الابتزاز الالكتروني، والتبليغ عن أي حالة مشبوهة إلى الجهات المختصة في الأمن الالكتروني أو الشرطة".
وأشارت الى أن"مفارز الشرطة المجتمعية في دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية خلال شهر نيسان أوقفت 37 حالة ابتزاز الكتروني و (23) حالة عنف أسري في مختلف محافظات البلاد ,وأغلب حالات الابتزاز التي تمكنت الشرطة المجتمعية من معالجتها ناجمة عن سوء استخدام الضحايا للهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأن أغلبهم من الفتيات المراهقات".
وبينت أن"هناك العديد من المنظمات والجهات الحكومية والخاصة التي عملت على توعية الأهل والمراهقين في العراق بمخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، منها وزارة الاتصالات، ومنظمة اليونيسيف، ومنظمة الصليب الأحمر العراقي، ومنظمة المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، ومنظمة المرأة العراقية، والمنظمات المدنية العراقية مثل منظمة عشتار للدفاع عن حقوق المرأة"، منوهة بأن "هذه المنظمات تعمل على توعية الأهل والمراهقين بمخاطر التحرش الالكتروني والابتزاز وكيفية التعامل معها، كما تقوم بإطلاق حملات توعوية وورش عمل ومحاضرات تثقيفية ".
بدورهم، وأوصى الباحثون باتخاذ مجموعة من الخطوات في هذا الشأن منها مساعدة العائلات العراقية على تحقيق نجاح أفضل في تربية المراهقين، وينبغي النظر في بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها على سبيل المثال، الحوار والتواصل يجب على الآباء والأمهات إيجاد الوقت الكافي للتحدث مع أطفالهم والتعرف على اهتماماتهم وأفكارهم وأحاسيسهم وينبغي للآباء والأمهات الاستماع بشكل فعال وإيجاد حلول وأفكار للتحديات التي يواجهونها والتوعية حول المخاطر عبر الانترنت، كما يجب تعليم المراهقين حول المخاطر الناجمة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام، مثل التنمر والاحتيال والتعرض للمحتوى غير الملائم والتقييد في الوقت الذي يقضونه عبر الانترنت، وكذلك يجب أن يكون للآباء والأمهات سياسة واضحة حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحديد الوقت المسموح به للمراهقين لتصفح الانترنت والتحكم في المحتوى الذي يشاهدونه".
وأكد الباحثون على أن"تلك الإجراءات ستساعد العائلات العراقية على تربية مراهقيها بشكل أفضل وتخفيف التحديات التي يواجهونها في ظل تقدم التكنولوجيا واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك يمكن تطبيقها أيضًا في غيرها من البلدان التي تواجه تحديات مشابهة في تربية المراهقين".