بغداد – واع – محمد الطالبي - فاتن حسين
تخرجت من أكاديمية الطيران، وتطمح بالوصول إلى مرتبة كابتن طيار، تعتبر البقاء على الأرض ليس كافياً، فهي شغوفة بالسحاب، وتسعى جاهدة في التحليق بعيداً كالنوارس خارج حدود الأرض، فهي تعني الشجاعة لها والتحدي، إنها الشابة العراقية ياسمين ثامر غزالة.
كأي بداية تبدأ بالتحدي والمواجهة ثم تحمل الصعوبات حتى تحقيق الحلم ليصبح واقعاً، فقد داهمها حلم بأن تكون (كابتن طيار) منذ أن كانت في مرحلة الإعدادية، ولكن كيف ستفاتح أهلها وهي البنت الوحيدة لوالديها؟
تقول ياسمين: إن أبي كان شديد الخوف علي لأنه يشغل رتبة ضابط في الجيش العراقي وهو يعرف جيداً ما هي المخاطر التي تحيط بمجال الطيران وبحياة الطيار، فهو كان يريدني أن أكون صيدلانية.
وبعد إخفاء الحلم الذي كان يطوقني بشدة عن والدي بالأخص، هنا قررت أن أخوض تجربة صعبة تحدد مصيري، ففي امتحانات السادس الإعدادي أهملت درسي الكيمياء والإحياء وركزت بدروسي على مواد الفيزياء والرياضيات واللغة الانكليزية لأنها مواد مهمة جداً لقبولي بمعهد الطيران.
وبعد نجاحي، سافرت إلى إيران لأن والدتي إيرانية الجنسية، وقدمت إلى اكاديمية الطيران ودفعت المبالغ المخصصة للاكاديمية دون علم أهلي، وعند إكمال إجراءات التقديم والانتهاء من جميع الاختبارات بنجاح، أبلغت أهلي، وجعلتهم إمام الأمر الواقع لإجبارهم على الموافقة.
وبعد أن أصبحت ياسمين طالبة في اكاديمية الطيران، كان عدد الطلبة ضمن دفعتها 24 طالباً، منهم 22 من الذكور و2 من الأناث فقط، فواجهت تحدياً آخر، وهو سخرية الطلبة من قدرات الاناث في مجال الطيران وحصر هذه المهنة للذكور، فتقول ياسمين: كان لا بد لي أن أقوم بكسر هذا الحاجز وأن أثبت للجميع بأن المرأة لا تقل عن الرجل، بل تزيده بالإبداع والشجاعة.
فحصلت على أعلى الدرجات وأصبحت المقربة من أساتذتي الذين كانوا يعتمدون علي بإلقاء المحاضرات والدورات المختلفة، ومن هنا أصبحت لدي خبرة في مجال التدريس.
وتعود ياسمين بذاكرتها لأول رحلة لها، قائلة: تأخرت كثيراً بالرحلة الأولى حيث كان الفصل ربيعياً والرياح قوية، وهنالك اختلاف في ضغط الهواء، فكانت هذه المؤشرات لطالب (السولو) خطيرة جداً، لأن احتمالية الاصطدام تكون عالية.
في حينها كان كابتن الطيران في تلك الأجواء يتوجب عليه أن يمنعني من الطيران، لأنني ما زلت متدربة، لكن بسبب ثقته بي، سمح لي بقيادة الطائرة، وفي حينها اجتزت الاختبار بنجاح كبير.
لتكمل ياسمين الحديث، بابتسامة خفيفة رسمت على شفتيها: "كان شعوري لا يوصف في وقتها، حين قمت بقفل باب الطائرة، وقدتها لوحدي".
وتؤكد بالقول: "عملت على تطوير شخصيتي ورفعت من مستوى شجاعتي بتحدي الصعوبات وقراءة الكتب المهمة التي تلامس شخصية الإنسان، كالكتب المختصة بعلم النفس وعلم الاجتماع والتنمية البشرية".
وترى ياسمين، أن الإيمان بالله تعالى أولاً، وتطوير الشخصية الذاتية حتى تجعلها شخصية قيادية من خلال تحمل الصعوبات والاعتماد على النفس والتعلم من التجارب والسيطرة على الانفعالات العصبية والتعامل مع كل التحديات بهدوء وحكمة، من أهم العوامل التي تجعل من الطيار مميزاً وناجحاً.
وتسعى ياسمين إلى تطوير مجال المرأة بتخصص الطيران، وأن تكون حافزاً مشجعاً للآخرين، تقول: "إن المجتمع يجب أن يقتنع أن المرأة قادرة على العمل كطيار، وهذه من أهم الرسائل التي هي دائماً أتطرق لها في مواقع التواصل الاجتماعي".
وتتابع: "إن العراق يفتقد إلى وجود اكاديمية متخصصة لتدريس الطيارين، فهنالك رغبة كبيرة لدى الكثيرين بدراسة هذا المجال في العراق، وهم لا يستطيعون السفر خارج البلاد لاسيما الاناث منهم، لذلك لا بد من توفير اكاديمية متخصصة داخل العراق لمنح فرصة كبيرة للراغبين الخوض في مجال الطيران".
وتوضح ياسمين المصاعب التي واجهها العراقيون عند التحاقهم باكاديمية الطيران المنتشرة في مختلف أنحاء العالم أن أهم الأمور التي يجب أن يتمتع بها الراغبون بالالتحاق باكاديمية الطيران في أن يكونوا ميسورين مادياً فهذه الدراسة تكلف مبالغ مالية كبيرة، فالدراسة خارج البلاد وتكلفتها المادية مع توفير السكن هي عملية تأسيس حياة جديدة خارج البلاد، لذلك يجب على كل شخص يحاول الخوض في هذا المجال دراسة الموضوع دراسة جيدة قبل قرار السفر خارج العراق.
أما من الناحية العلمية يجب على المتقدم للاكاديمية أن يتقن اللغة الانكليزية لأنها مهمة جداً للقبول، وكذلك لديه معلومات جيدة في مواد الفيزياء والرياضيات، وكذلك يجب أن يتمتع بالسلامة الجسدية والعقلية.
وتختتم ياسمين عن خطتها المستقبلية، قائلة: "إن أهم الخطط التي أحاول إنجازها هي تكملة دراسة الطيران وبعدها معادلة شهادتي في العراق، من أجل أن التحق بسرب الخطوط الجوية العراقية وأخدم بلدي".