في كلّ العالم ثمة طبقتان، الأولى مثقّفة تأخذ على عاتقها زمام التفكير، وطبقة هادئة أو خاملة أو حتى أميّة تنتظر الأفعال التي تقوم بها السلطة، ولهذا فإن السلطة تكون على الدوام في صراعٍ مع الطبقة الأولى، ومستهدفة الطبقة الثانية لكي تنمّي دورها وتزيد عددها، ليس من ناحية الفعل الثقافي أو الوعي بالمسؤولية، بل بما هو مؤثّر فيهم من الناحية العاطفية، التي تعمل عليها من أجل إبقاء هذه الطبقة تحت يدها ولا تذهب إلى الطبقة الأولى، بل أن تكون هي الأداة لسحقها من خلال تفعيل الجانب العاطفي الذي تتفرّع منه عدّة أسهم تأخذ اتجاهات عديدة، لكنها غير متنافرة أو متصارعة أو حتى مصادمة، منها الجانب الديني والعقائدي والوطني المرتبط بجانب سلب الحكم والتأثير الاقتصادي.
ولكن هناك طبقة ثالثة في العالم الثالث أو العالم الذي يفور بالنزاعات والمنقسم اجتماعيا وهي طبقة المسلوبة الإرادة التي لا تشغّل عقلها وتعتمد على ما يقوله الآخر، سواء كانت سلطة أو زعيما أو مفكّرا بحسب رأيهم، ويكون هذا هو البديل عن الاطلاع والقراءة والتفحّص والتدقيق، فيما إذا كان هذا القول في صالحهم أو أنه يستخدم للترويج عن أفكاره أو لتحقيق أهدافه.
إن السلطة في هذا الجزء من العالم والذي لم يعد عالمًا ثالثا، بل عالم متراجع، لأنه سمح للسلطة فيه أن تستخدم أغراضا غير حياتية بوهيمية مستخدمة التراث والتاريخ والأقوال التي يعرف الآخر أنها خطأ، وأنها مزوّرة لكنه لا يؤمن بالتفكير بقدر ما يؤمن بالطاعة.
ولهذا نجد أن هذه المجتمعات في هذا العالم الخامل التفكير هو أكثر المجتمعات عرضةً للحروب والنزاعات والفتنة ايضا.. بمعنى أن الفتنة سهلة إيقاد نارها، لأن هناك عاطفةً ملأت العقول فانتدبت لها يدًا لتأخذ بها لتحقيق الأهداف.
إن المجتمع العاطفي هو الأكثر في طوفان الطبقة الثانية غير المستخدمة للعقل، وتكون هي أداة لمحاربة الطبقة الأولى المثقفة، ولهذا أشيع في الوسط الاجتماعي ما يسمى بكاريزما المثقّف من أنه ايضا الفرد الانتهازي غير المرتّب، الذي يستخدم لغةً عالية لا يفهمها الناس في الطبقة الثانية الفقيرة، التي باتت لا نثق بالمثقّف كونه هو كثير التفلسف، وهذه مقولات وضعتها الجهات التي تريد إبقاء العقل البشري خاضعا لها وأسيرا لأفكارها، منيبًا عن عقولهم بعقلها، لكي تنجح في مسك العصا من طرفيها.. أولها أنها أساس التأييد وزيادة التبعية والمريدين الذين يضخّون في عقولهم ما هو غير قابل للتفسير والتفكير، فيتم الحفظ في خانة العاطفة التي تثور في أية لحظة ضد من يستخدم العقل الذي توجّه له التهم، على أنه لا يمس السلطة أو الجهة الرمزية بقدر ما يمس الجوهر الأعلى الذي تتاجر به هذه الجهات.. والطرف الثاني هو الطرف الذي تخنق فيه الطبقة الأولى من أنها نخبة قليلة لا تؤثر ولا تسمن ولا يكون لها أي دور، بل أنها طبقة مكروهة من الطبقة الثانية التي هي في أعدادها الأكثر.
إن المشكلة الأساسية التي ينبثق منها الصراع الأزلي من أن هكذا مجتمعات تكون سهلة الاختراق من الأفكار الجديدة، التي تعتمد على العامل الغيبي والتخدير العاطفي وموت العقل.
وهي مجتمعات هشّة يكثر فيها التخدير العقلي والوساوس وتصعد فيها نسبة الحضور المشعوذ ايضا، لأنها دائما بحاجة إلى عقلٍ آخر لتسيير أمور حياتية بغض النظر عن كونها صحيحة أو خاطئة فإنه سلّم عقله بالتمام.
وهؤلاء أكثر لعنة من الفئة الاتّكالية التي تنتظر الآخر أن يسيّر لهم الحياة دون أن يكونوا تبعًا له.. في حين هذه الطبقة التي تسلّم عقلها هي أداة لتثوير الصراعات التي تصل إلى حد الحروب وخسران الوجود والاقتصاد، تحت تأثير كلمات ترتبط بشخصيات تاريخية لتكون هي المصداق في التأثير على العقل البشري الذي لن يفكّر بتفكيك الكلام إن كان صحيحا، لأن السلطة الرمزية والسياسية جعلت من مصدر القول لا يقبل النقاش. لهذا نرى أن مجتمعات مثل هذه التي تكثر فيها الصراعات لن تتحقّق فيها المراد الاجتماعي، وايضا لن يزداد فيها عدد مستخدمي العقل، لأنهم ايضا معرّضون إلى التصفية، أو أن كلامهم لا يقنع من سلّم عقله، فما هو أمامه غير مقنع أمام ما تكدّس في عاطفته من تحشيد من أن الحياة لا تعني إلّا الطاعة.
الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع