لم تشهد الدولة العراقية منذ تأسيسها استثماراً ايجابياً في فئة الشباب. الأوطان تبنى بهم، والمجتمعات ترتقي عندما يكون الاستثمار في الانسان عموما سياسة ورؤية وبرنامج عمل حقيقي. شباب العراق منذ تأسيس هذه الدولة كانوا دائمًا أدواتٍ بيد الإقطاع، ثم الأحزاب السياسية خلال المرحلة الملكية وما بعدها. حتى البرامج، التي وضعتها الحكومة للشباب خلال السبعينات، بما فيها تأسيس الاتحاد العام لشباب العراق، فلم تكن أكثر من تجنيد للشباب لمنهج الحزب الحاكم، وفي الثمانينات كانوا وقوداً في حربين قذرتين أخذتا ما يزيد على مليون انسان، اغلبهم من فئة الشباب. ما يقارب ربع مليون شخص أغلبهم من الشباب دخلوا معسكرات الاسر، ليعودوا كهولا منهكين نفسياً وجسدياً بعد الحرب. وخلال التسعينات وحصارها الجائر كان الشاب يعاني من العوز والفقر والحرمان من كل وسائل الحياة، التي كان يراها عند شبّان الدول الأخرى.
بعد 2003، لم تتوفر قيادة تملك رؤية لبناء الدولة. جاءت سلطة مقسمة بين الطوائف، ولاحقاً بين الأحزاب، وكلٌّ رأى في المواقع السياسية مغانم يأخذ منها ما يستطيع، قبل أن تنتقل إلى غيره، ومن أراد منهم البناء، تعرض للحصار والكبح كي لا يكشف عورة الباقين. أوضح مؤشر على غياب رؤية للبناء هو اهمال قطاعات الثقافة والفنون والشباب. وبنسبة نمو سكاني مرتفع سنويا، يزداد عدد الشباب في المجتمع، الذي بات في خانة المجتمعات الشابة. وزارات الثقافة والشباب والتعليم لا تحظى سوى بأرقام ضئيلة في الموازنات السنوية، أغلبها للرواتب والتشغيل، وما يتبقى منها باسم الاستثمار، يذهب إلى جيوب الفاسدين كمشاريع فاشلة وعقود وهمية. على الاغلب، من يتبوأ المنصب يبدأ بالبحث عن طرق للسرقة قبل أن يفكر بتفعيل الوزارة أو المؤسسة، إن كانت له القدرة على التفكير أو الرغبة بالإنجاز. ومن يحاول أن ينجز، تشهر في وجهه أسلحة الإعاقة الإدارية والقانونية والروتين، فإن خالفها يفتح له ملف فساد لدى الجهات الرقابية، لأنه خالف القوانين، ولا يهم إن كان انجز أو أراد ذلك.
ضياع هوية الاقتصاد، غياب فرص العمل لغياب اقطاع الخاص، وبموازاة ذلك، هيمنة ثقافة البحث عن فرصة عمل، بدل البحث عن راتب بلا عمل توفره الوظيفة الحكومية التي تثقل كاهل الخزينة وتستزف مواردها.
بنظرة بسيطة وواعية، سنرى أن الاستثمار في الشباب ثقافيا وفنيا واقتصاديا، سيوفر متطلبات النهوض. عندما نتحدث عن بناء الانسان كركيزة لبناء الوطن، فان بناء الشباب بشكل سليم، فكرياً، وعلميا واقتصادياً، سيوفر فرصة البناء السليم للوطن وأمنه واستقراره. ما ينفق على قطاعات الثقافة والتعليم من الامكانات المالية، يجب ألا يقل عن مخصصات الوزارات الأمنية، بل إن الاستثمار في هذه القطاعات يقلل الحاجة إلى القوات الأمنية. وزارة الشباب ليست لرياضة الشباب، انما لبناء هذه الفئة ثقافيا وسلوكياً.
في لجّة الفوضى وضياع الهوية الوطنية، ضاع شباب العراق بين الهويات الفرعية، وعاشوا تيه الهوية، التي تحتاج إلى بناء سليم، كي يكونوا بناةً للوطن. بناء الهوية لا يأتي بالشعارات والعواطف انما بتوفير مستلزمات هذه الهوية، معنويا ومادياً.
الإعمار: إحالة 24 مشروعاً جديداً للتنفيذ
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع