د.عبدالواحد مشعل
تعيش الأسرة العراقية والمدرسة محنة حقيقية في تربية الابناء في زمن االفضاء الالكتروني، الذي أصبح يفرض شروطه على الأجيال الجديدة بشكل يدعو إلى القلق، وسط نظم أسرية تقليدية ونظم تربوية مأزومة، حتى بات الأمر يدعو إلى اجراء دراسات اجتماعية وتربوية تكشف مواطن الازمة، لكي يتسنى للمخططين التربويين، والمؤسسات المعنية، وضع الخطط اللازمة لمعالجة المشكلة التي بات محط انظار وقلق الأسرة والمدرسة معا،
فالمشكلة الأساسية تكمن في الفوارق الثقافية بين ثقافة الأجيال الجديدة، وثقافة الأسرة المدرسة، فلا تزال الوسائل التربوية سارية على الأجيال الجديدة في أسرهم دون تغير أو تحديث في الاساليب، نتيجة عوامل عدة منها الظروف القاسية التي مر بها المجتمع العراق، وما رافق ذلك من ضعف التواصل مع ما يحدث في العالم من تحولات حضارية، بسبب انشغال الأسر بمشكلاتها الحياتية المختلفة، وعدم وجود محفزات ثقافية لمواكبة تلك التحولات، فضلا عن تراجع أدوار الأبوين، وانشغالهما بهموم الحياة، وما شهده المجتمع خلال الحقب الماضية من تراجع في منظومته القيمية، وعدم قدرتها على التواصل مع التحولات ثقافية في العالم، وثم غابت الفرص تطويعها لتحديث اساليب التربوية الاسرية، فبقيت الأسرة محتفظة بما لديها من اسالسب تربوية تقليدية، والتي هي الأخرى معرضة للتفكك، حتى بانت بشكل واضح فجوة كبيرة بين ثقافة الأجيال الجديدة وثقافة والديهم، فالأجيال الجديدة انخرطت مع موجات وسائل الاتصال الحديثة وبرامجها المختلفة عبر الشبكلة العنكبوتية، بينما بقيت الاساليب التربوية الأسرية على حالها مع تعرضها لازمات متلاحقة خلال العقود الثلاثة الماضية.
اما المدرسة فقد بقيت تراوح اساليبها التربوية مكانها مع تراجع ملحوظ في مكانة المعلم الذي يعد عامود التربية، والذي بدوره يعاني من ضعف الانخراط في اسفل سلم التحديث الجاري في العالم، وبهذا لا يفرق كثيرا عن ثقافة الوالدين في اساليبهم التربوية التقليدية، مع الاشارة إلى أن ضعف أدوارهم التي كانت توسم المعلم ايام زمان، ترجع إلى انشغاله بهمومه الاسرية والمعيشية وتراجع مكانته الاجتماعية، فنتجت عن ذلك ايضا هناك فجوة واضحة بين ثقافته وثقافة تلك الأجيال، ما ادى إلى اختلال النظام التربوي بشكل عام، وازاء هذه الاشكالية لا بد من ايجاد الطرق التي بها يمكن معالجة آثاره الاجتماعية
والسلوكية على تلك الأجيال، وما يمكن ان تنعكس مخاطره على المستوى العلمي، وهو ما يستدعي ارادة سياسية وتربوية حقيقية، تدفع مخططي السياسات التربوية في العراق إلى القيام بواجباتهم اللازمة، من خلال تشكيل فرق بحثية من باحثين معتمدين لاجراء دراسات حول الظاهرة، وتشخيص المشكلات الناتجة عنها، كما ينبغي الاشارة والتاكيد أن ذلك الاجراء يبقى ناقصا اذا لم توضع خطة تنموية على مستوى المجتمع ككل، فالعلاج في هذه المسألة وغيرها، يتطلب انتقالا شاملا
في حياة المجتمع عن طريق النهضة في الميدان الصناعي والزراعي والسياسي والتربوي، واستنهاض الهمم من اجل مشاركة المجتمع بالتنمية بشكل متواصل ومستدام، على ان تتضمن التنمية خطة في التغير البنيوي الاقتصادي، الذي سيقود إلى التغير البنيوي الثقافي، وما سينتج عنه من تغيرات وتحولات مفصلية في النظم القيمية والتربوية وهي تواكب التحولات الحضارية في العالم
الجديد -عالم الثورة الاتصال- مع العمل في كل خطوة من خطوات التنمية على التاكيد على القيم الاخلاقية لمجتمعنا، بحيث تتواكب تلك التغيرات مع عملية تحديث ثقافي شامل في المجتمع بطريقة تحافظ على القيم الدينية والاخلاقية، التي هي سوف تكون القاعدة التي بها يتم بناء جيل جيد قادر على تطويع ما يمكن الحصول عليه من ثورة الاتصالات على وفق قيمنا الاجتماعية، والذي بدوره سيكون سندا في الحفاظ على هوية الأجيال الوطنية، وبهذا المعنى ينبغي استبدال الاساليب التقليدية باساليب حديثة تقرب الفجوة بين الآباء وأبنائهم من جهة، وبين المعلم وتلاميذه من جهة اخرى.