د.عبد الخالق حسن
مهما كتبنا وتحدثنا، ومهما احتفلنا وفرحنا، فإنَّ هذا كلَّه لن يستطيع الإيفاء بالتعبير عن لحظة الخلاص التي عاشها العراق في9/ 4/ 2003.
وبرغم كل ما قيل عن طبيعة التغيير، وعن الإخفاقات والفشل والخذلان، لكنَّ أيَّ خلل أو ارتباك يمكن تجاوزه وتصحيحه، لتظلَّ هذه اللحظة الفارقة في تاريخ العراق تحمل الكثير من المعاني التي أنصفت العراقيين، وأخرجتهم من سجن كان من الممكن أن يستمر لسنوات طويلة، لولا اتفاق الإرادة الدولية، والانهيار والخواء الذي كان عليه النظام، بعد أن فقد كلَّ مصادر قوته، وصار مجرد هيكل شبحي لنظام متهالك، أفقد العراق احترامه بين الدول. نظام تتحكم الامم المتحدة حتى بصرفه لأموال النفط الذي يصدره العراق. نظام بعثر سيادة العراق، وأهدر خيرة رجاله وشبابه في حروب عدوانية لم يحصل منها العراق سوى الخسارات والدمار والخراب.
قد يحاول الكثير هنا، أو في الخارج اليوم أن يقارن بين النظام الحالي والنظام الدكتاتوري، في لعبة عاطفية يريد من خلالها أن يشوش الأذهان، ويستدرج المراهقين الذين لا يعلمون شيئاً عن دكتاتورية وإجرام نظام صدام، سوى ما تحاول صفحات مشبوهة ممولة أن تبثه، في كون العراق كان قوياً وآمناً وسيداً على نفسه ومهاباً بين الدول. لكنَّ هذه الأقاويل والادعاءات ستتهاوى وتسقط حين تنجلي الحقائق التي يراد تغطيتها، وحين تُفتَضح الأكاذيب المغلفة بالشعارات والألوان الخادعة.
حتى على مستوى المقارنات الخدمية، نشهد اليوم افتتاح الكثير من المشاريع العملاقة التي لم يشهد العراق مثيلاً لها طوال سنوات، بين مستشفيات ومدن سكنية، وعمارات سكنية، وطرق نقل، وتصاعد في معدلات تصدير النفط، وزيادات ملحوظة في انتاج الكهرباء، ومدن وملاعب رياضية.هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أنَّ هذه المشروعات التي افتتحت بعد 2003 لم تكن لها بنية تحتية سابقة أو موروثة، بعكس ما يتم تزييفه لصالح النظام الدكتاتوري، الذي ورث بنية تحتية ومشاريع صناعية عملاقة افتتح أغلبها في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم. كنَّا نحن الشباب مثلاً نتحسر على رؤية ملعب كرة قدم محترم مثل الملاعب التي نشاهدها لدى الدول الأخرى. لأن الملعب الدولي الوحيد، وهو ملعب الشعب، كان قد تصدَّق به علينا رجل الاستثمارات النفطية كولبنكيان في ستينيات القرن الماضي. فهل بعد هذا تصحُّ مقارنة الحال اليوم، مع كل ملاحظاتنا عليه، مع حالنا في زمن الدكتاتورية؟
يكفي أنَّ العراق قد غادر منطق العدوان على الجيران الذي جعله معزولاً عن العالم، وعدنا دولة تتسابق الدول لإقامة العلاقات معها وفتح سفاراتها على أرضه. يكفي أننا صرنا عنصر اعتدال في المنطقة، ندير مفاوضات إطفاء النيران في العلاقات المتشنجة بين دول المنطقة، وصلح الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية خير دليل. يكفي أنَّ مطارات العالم صارت تفرش السجاد الأحمر لاستقبال زعامات العراق، في حين أنَّ الدكتاتور الساقط لا تتجاوز زياراته الخارجية عدد أصابع اليد لأنَّه كان مسكوناً بهاجس الخوف والمؤامرة.
نعم، إنَّ الذي حصل في نيسان كان سقوط دكتاتور ونهوض دولة، ولم يكن سقوطاً للعراق، بل إن ما حصل كان تخليصاً له من سجنه الطويل.