علي لفتة سعيد
لا نأتي بشيء جديد إذا ما قلنا إن الإنسان مجبولٌ على التناقض، أو إن التناقض جزء من تكوينه، أو حتى أنه جزء من المتغيرات التي تصيب الإنسان طوال مراحل حياته.. فالتناقض ليس سمة العراقيين كما يذهب البعض في تحديد أطره، وينسبون القول إلى عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي، وإن جاء هذا في أحد كتبه العلمية الاجتماعية، التي صنفت المجتمع العراقي
لكنها هي صفة الإنسان على مرّ التاريخ، بل من بدء الخليقة، والتناقض لا يعني الحالات السلبية فقط ولا يعني الانفكاك من رأي رأي إلى آخر، ولا يعني التحوّل من رؤية إلى أخرى بناء على مصلحة أو تجديد في القناعة، أو وقوع المعرفة بعد قول الرأي أو وضع اليد على الحقيقة بعد تأخّر المصادقة، بل هي أيضا متغيّر حياتي لحظوي لأن العقل، لا يعمل وفق آليةٍ تقنيةٍ لجهاز، بل يعمل وفق اللحظة التي يتلقّاها وتصادف الإنسان ذاته، ولهذا يمكن أن تكون هذه اللحظة هي ردّة فعل على قولٍ متناقض من قبل آخر أو فعلٍ صادرٍ عن الطبيعة أو المقابلة الفكرية، أو الوقوع في منطقة الخطر والخوف، أو حتى الوقع في حبائل النميمة والمصالح والنفاق وحتى التملق.
إن التناقض مرّة يكون ضعفًا في الشخصية إذا ما كان الارتباك سببه أو المصلحة أو الأثر السلبي، ومرّة يكون ثقةً بها إذا ما كانت تحوّلًا فكريًا بناءً على قناعةٍ، أو طرح الرأي بناء على معطيات حادثةٍ ما أو فعل آني يحتاج إلى رأي قد يكون مختلفًا عن رأي سابق طرح على حادثة جرت. لكن أين تكمن مخافة التناقض وأثره السلبي في المجتمع؟ وأين يمكن أن يكون التناقض خطرًا؟ إذا ما عرفنا أن المقصود هنا ليس التخالف بين رأي وآخر، وموقفاً هنا وهناك، بل كما تعرفه العلوم النفسية من أنه «وجود تفسيرين أو قيم متناقضة ضد نفس الشيء أو يُشار إليه أيضًا بالسلوك المتناقض» والذي عمّمه العالم النفسي فرويد.
إن الأخطر ليس الذي يقع فيه الإنسان البسيط غير المؤثّر في مجتمعه، وليس المثقّف الذي ليس لديه مكان للأثر أو مناط بمسؤولية، ليقع في التناقض أو مرادفاته مثل الغموض والازدواجية وعدم التحديد، وكذلك الاستقطاب أو أية كلمة ممكن، أن يضعها المتلقّي المفكّر بأهمية الكلمة، كون التناقض يشير له علم النفس إلى «حالة مؤقتة أو دائمة حيث يتعايش بشكل عام معاكس. يحدث هذا الموقف المتناقض عندما يصبح الموقف تجاه حقيقة أو شيء غير متماس». بل التناقض الخطر حين يصدر من اصحاب السلطة المؤثرة. السلطة التي تعتمد على تناقضات المواقف والأفكار والحلول، التي تسوق طريقتها المتناقضة في الحكم لكي تربك الواقع.
ولهذا فإن الإنسان العراقي امام كل المعضلات التي واجهته وتواجهه ظلّ أسير هذا التناقض ليس لأنه يريد التناقض أو أنه جبل عليه أو أنه أحد مكونات شخصيته، بل لأن واقعه السياسي متقلّب ومتناقض، وهو ما ينحسب حتى على الفقه الديني والفقه الاجتماعي وحتى الفقه الفلسفي، وبالتالي التناقض الحاد بين الواقع الذي يعيشه وبين الأدوات التي تسيّره بما فيها القانون الذي يطبق بطريقة متناقضة ايضا.. وهو الأمر الذي ينعكس حتى السلوك العائلي والعشائري بين المراد من الثبات، وما يمكن أن تعطيه هذه التبعية الاجتماعية من سلوكٍ يبدو متناقضا.
غارات صهيونية على الضاحية الجنوبية لبيروت
فرنسا.. تحذيرات من العاصفة (كايتانو)
شهداء وجرحى جرّاء قصف صهيوني على غزة
طقس العراق.. أمطار رعدية بدءاً من الغد
الأنواء الجوية: أمطار وانخفاض في درجات الحرارة