د. حميد طارش
جاء غضب الطبيعة المميت، الذي لم يكن وارداً في ذهن الضحايا، فالموت الذي كان سبباً لهروب السوريين إلى تركيا جاءهم بشكل آخر ليخطف أرواحهم مع الأتراك دون شفقة، ليكون موتاً عائلياً!، ولم يكن الذين آثروا مواجهة موت الرصاص في سوريا بمعزل عنه.
المشهد عصيٌّ على الوصف، ولم يبالغ أحد الناجين عندما قال:
يوم القيامة!، فكثافة الموت والدمار هما سيدا الموقف الذي أيقظ الحكمة الإنسانية التي سارعت إلى محاولة نسيان الكراهية والصراعات وأبدت تضامنها المعنوي والمادي لمواجهة الكارثة، التي لم تفرق بين الأعداء والأصدقاء، لقد شملت الجميع، ولم يكن الدين والطائفة والقومية والحدود الجغرافية والسيادة مانعة لفئة منهم، وحتى المتحاربون الذين يقتلون بعضهم، لم يعترف الزلزال بحواجزهم ومتاريسهم الفاصلة بينهم، وجاءت الكارثة برسالة تهديد للآخرين من مواجهة المصير نفسه فدفعتهم، ولو مؤقتاً، إلى التخلي عن حماقة العداء لصالح حكمة التضامن...، الّا أنها جاءت متأخرة ولم تكن بالمستوى المناسب للتعامل مع الكارثة، لتقليص الأضرار، بل وزادت وستزيد تلك الأضرار لتأخر مساعدات الأنقاذ والأغاثة، وهذا ما يشتكي منه الناجين وبعض المسؤولين المحليين.
هذا النوع من الكوارث يحتاج إلى تخطيط مسبق وآليات تضامن دولي فعالة ومرّنة، وليس ردة فعل آنية، وذلك غير ممكن دون عالم تسوده المحبة وعلاقات الصداقة الإنسانية وتخشصيص صناديق مالية جاهزة لمواجهة تلك الكوارث، ولا خيار آخر لنا ونحن نعيش في عالم يواجه أخطار الأوبئة والأحتباس الحراري والزلازل، مما يستوجب إنهاء الدول الكبرى حربها في الأراضي الأوكرانية وتوفير كلفتها المالية الباهظة، فضلاً عن الحرب التي مزقت سوريا إلى دويلات، ودمرت بنيتها التحتية اللازمة لمواجهة الكارثة، بل وتعيق خنادقها جهود إيصال المساعدات
الانسانية.
وأما دول الجوار فتقع عليها مسؤولية أكبر لمواجهة الزلزال، فقربها الجغرافي يجعل مستشفياتها أقرب لاستيعاب الجرحى، ويكون وصول فرق الانقاذ والمساعدات أسرع، فضلاً عن أنها ستكون ممراً حيوياً لتسهيل الامدادات
الدولية...
إذاً يجب أن يكون العمل المحلي والأقليمي والدولي جاهزاً بمستوى مباغتة الكوارث.