ريسان الخزعلي
في الانتاج الزراعي والصناعي، تسعى الدول إلى تحقيق ما يكفي حاجات المجتمع من هذين الانتاجين محليا وفق تخطيط، ودراسة شاملة لكل الممكنات المتاحة. ومثل هذا المسعى يُحدد بالنتيجة كمية الانتاج المتاح، وكذلك كمية ما مطلوب استيراده في حالةعدم كفاية الانتاج المحلي، أو تصدير الفائض حينما يكون الانتاج يفوق الحاجة.
إنَّ الاكتفاء الذاتي بمعناه الأشمل، هو اكتفاء اقتصادي، أي أنَّ يكفي البلد نفسه بنفسه من الناحية الاقتصادية. وحسب تعريف علماء الاقتصاد كما جاء في الموساعات السياسية، أنَّ هذا الاكتفاء يهدف إلى تحقيق المساواة أو التوازن بين الموارد المحلية وبين الاحتياجات الاقتصادية. ومن الممكن التمييز بين أنواع عدّة من الإكتفاء بهذا المعنى، فمن حيث مداه هنالك فرق بين الإكتفاء الذاتي المطلق (الذي تقطع فيه الدولة كل علاقات اقتصادية مع الخارج)..، والاكتفاء الذاتي المحدود ( وهو الذي يرمي إلى التقليل من الالتجاء إلى المعاملات الاقتصادية مع الخارج). والنوع الأول غير ممكن من الناحية العملية في عالمنا المعاصر، لأنَّ الوقائع تثبت أنه يستحيل أن يعتمد أي بلد في كل ما يحتاجه من أنواع وكميات السلع والخدمات على موارده الداخلية وحدها. وعلى عكس ذلك فإنَّ كل الدول تعرف مرحلة أو مراحل من تاريخها تُحتّم عليها فيها الظروف الاقتصادية أو السياسية أو كلاهما، درجة من الاكتفاء الذاتي المحدود. كذلك يمكن التمييز بين الاكتفاء الذاتي المحتّم الذي تفرضه قهريّة كالحروب مثلاً، والاكتفاء الذاتي الإرادي، والذي تُطبقه الدولة على نفسها طوعاً، من أجل تحقيق أغراض معينة.
ومن الناحية الاقتصادية ليس من مصلحة البلد أن يقطع علاقاته الاقتصادية مع الخارج، لأنَّ هذه العلاقات تمكّنه من أن يجني ثمار ومزايا التجارة الدولية في التصدير والاستيراد. ولكن مما لا شكَّ فيه إنَّ الدول المتخلفة – في فترة تنميتها لاقتصادها – يجب عليها أن تحدَّ من استيرادها للسلع الاستهلاكية من الخارج، وخاصة الكمالية منها حتى تُخصص النسبة الكبرى من النقد الأجنبي المتاح لها لإستيراد المعدات الانتاجية الضرورية لتنمية اقتصادها، كي يكون بالمستطاع مواجهة الاحتياجات المستقبلية للسكان، أي أنه لا بدَّ في مرحلة التنمية من درجة من الاكتفاء الذاتي المحدود.
إنَّ واقعنا الاقتصادي الآن يتطلب وبكل جدّية، أن نتعامل بسياسة الاكتفاء الذاتي ببعديه: المطلق والمحدود وفق الممكنات المتاحة ودراسة تطوير هذه الممكنات باستمرار.