نوزاد حسن
تماما كما اكتشف كولومبس قارة أميركا وشاهد فيها بشرا يختلفون عنه كذلك اكتشفنا العرب القادمين من مختلف الدول، لتشجيع منتخباتهم المشاركة في كأس الخليج العربي.
اتساءل هل كنا غامضين إلى هذا الحد؟ هل كنا بعيدين بحيث انقلبت الصورة رأسا على عقب بمجرد وصول أولئك المشجعين للبصرة؟.
ما حدث مع كولومبس حدث بالضبط مع مختلف المواطنين العرب. لقد صدمهم كرم اهل البصرة, وطيبتهم وبساطتهم. كولومبس ايضا تفاجأ بكرم الهنود لأنهم كانوا يقدمون له هدايا غالية من الذهب مقابل قطع من زجاج مكسور, أو أشياء اخرى بلا قيمة.
لكن الكرم الذي جعل الجميع يصدم هو كرم نقي بلا مقابل. لا قل إنه كرم حاتمي الروح تنامى ليصبح كرم أمة بأسرها.
وحين تبذل الأشياء بهذا الشكل, وما يرافقها من ترحيب تكون الصورة غريبة في أذهان من جاء للتشجيع.
قيل الكثير وبث أشخاص من اكثر من دولة يومياتهم، وهم يتجولون في أسواق البصرة ومحالها ومطاعمها. ويبدو أن الصورة لم تكن واضحة بما يكفي. فوسائل الاعلام تقوم احيانا بصياغة افكار المشاهدين إلى درجة إنها قد تصنع مدنا لا نعرفها. وقد حدث الامر معي عند زيارتي لمدينة كركوك. كنت أظن أنني سأذهب إلى مدينة يسكنها بشر عابسون, حذرون. وفكرت كيف سأتعامل معهم؟ وكان يشغلني طوال الطريق هاجس غريب مزعج عن مواقف غير جيدة قد اتعرض لها. باختصار كنت أحمل في داخلي صورة اعلامية اقنعتني بها وسائل الإعلام.
هناك ومنذ اللحظات الاولى تغيرت الصورة الكاذبة، لأن مواطني كركوك كانوا مرحين غير عابسين ومتضامنين كفريق كرة قدم يريد الحصول على كأس
العالم.
لم أشعر بقلق القوميات التي تعيش في كركوك، ذلك لأن كل مواطن هناك يتحدث ثلاث لغات بغض النظر عن قوميته.
استغربت لهذا الامر فالتركماني مثلا يتحدث الكردية مع عمال المطعم الكرد. كانت الحياة طبيعية جدا, وقد دهشت لأنني خدعت.
في البصرة ظهرت المدينة الحقيقية امام الزائرين العرب. تبخرت صورة المدينة التي كوّنها الاعلام في رؤوس الجميع, وتعامل الكويتي والاماراتي والقطري وغيرهم مع بشر مروا بوقت صعب لكنهم بقوا كرماء, وهكذا تغيرت الصورة غير الحقيقية، التي كانوا يسمعون عنها طوال سنوات.
ظهرت البصرة جديدة مختلفة امامهم.