ا.د عامر حسن فياض
يمثل المنحى الفلسفي القائم على الحكمة الحياتية العملية المنحى العام الغالب على العقل الصيني، وقد عنيت الحكمة الصينية القديمة في المراحل الأولى من تطور الصين الحضاري بموضوعات أساسية ثلاثة هي:
- معرفة السر.
- معرفة الحقيقة.
- معرفة السنن.
وتبلورت معتقدات الصينيين في مطلع تاريخهم حول مسؤولية الحاكم الخطيرة عن إنجاز واجباته المعنوية تجاه السماء، حتى أصبحت فكرة مسؤولية الحاكم المعنوية وطريقته في القيام بأعبائها، كي لا يفقد عطف السماء وحمايتها الشغل الشاغل لمفكري الصين وفلاسفتها وأحد المشكلات الكبرى للفكر والفلسفة الصينيتين.
وقد اتخذت كلمة "السماء" في الفكر الصيني القديم معاني مختلفة:
- السماء بمدلولها الطبيعي المادي الذي يقابل الأرض في قولنا (الأرض والسماء).
- السماء بمدلول الرفعة والسمو، كقول الصينيين "السماء الإمبراطورية" و"الامبراطور السماوي" دلالة على سمو مقامه وعلو شأنه.
- السماء بمدلول القضاء والقدر، كقولنا "هكذا شاءت السماء".
- السماء بمدلول المبدأ الأخلاقي الرفيع المتسامي الذي يرتفع مقامه ليبلغ السماء.
وكانت هذه هي العناصر الأساسية في بنية الفكر الصيني القديم ومرتكزاته الأولية. وتتألف مصادر الفكر السياسي في الصين قبل عصر كونفوشيوس من خمسة كتب استخدمها معلم الصين الأول لتثقيف مريديه وهي "الاناشيد، السجلات التاريخية، الطقوس، حوليات الربيع والخريف، التغيرات، الموسيقى" ولكل كتاب وظيفة، كما يقول حكماء الصين، فكتاب الاناشيد يصف الدوافع، بينما يضمن الموسيقى التناغم والتناسق، والسجلات التاريخية يبين الأحداث، أما الطقوس فيوجه السلوك، بينما يظهر كتاب الحوليات الواجبات والصفات المميزة للحكام وسلوكهم، وكشف التغيرات النقاب عن تحركات الكون. وأصبحت هذه المصادر مع سيادة الفلسفة الكونفوشيوسية وهيمنتها على الفكر الصيني القديم موضع دراسة الفئة المثقفة، ومنتهى تطلعاتها الثقافية والمراجع الأساسية لآرائها وأفكارها السياسية، فعدت الخطب الواردة في كتاب التاريخ سجلاً لتنظيمات الحكم ومؤسساته وأعمال الحكومة في عصر الملوك الحكماء، والتي أصبحت نماذج ينصح الحكام بالنهج على منوالها. وأصبحت الاغاني الشعبية وأناشيد الطقوس المتضمنة في كتاب الأناشيد، تعبيراً عن عواطف المحبة والتقدير التي يكنها الشعب للحكم الصالح، ومشاعر السخط والكره، التي يحملها للحكم الطالح، وتضمن كتاب الحوليات، مجموعة القوانين والمبادئ الأخلاقية التي تهدي الحكام سواء السبيل، في حكمهم لشعوبهم. وهكذا اشتركت عناصر البناء الاجتماعي ومصادره الفكرية في صياغة الأطر العامة للفكر السياسي الصيني القديم المتجسد في الحكمة السياسية الصينية ونتاجات مدارسها وأفكار أعلامها، الذين صاغوا فكراً سياسياً على قدر ملحوظ من النضج والانتظام
والتكامل.
وهذا الفكر القائم على الحكمة عالج ظاهرة السلطة السياسية وصفاً وتفسيراً ونقداً، وأجاب على الاسئلة المتعلقة بأصلها ومصدر شرعيتها وشكلها ووظيفتها وآليات تداولها.
وهكذا لنتعلم ان الحكم حكمة والحكمة حكم.