د. عبد الخالق حسن
يوماً ما، قال الشاعر الإنكليزي جوناثان سويفت (توفي سنة 1745) إن خراب الدولة يسبقه عمومًا انحطاط شامل في الأخلاق وازدراء للدين. قد تبدو المنطلقات التي ينطلق منها سويفت هنا هي منطلقات أخلاقية بحتة، بحكم ارتباطه بالمنظومة الدينية، فهو كان رجل دين بمرتبة قس. لكن هذه المقولة تصلح لتكون مثالاً على الحالة العراقية.
الخراب العراقي هو خراب ضارب بجذوره طوال سنوات، منذ أن تورط العراق بوصول البعث إلى السلطة. وكل ما نعيشه اليوم هو مستند في جوهره إلى الخراب البعثي الذي صار الكثير يتحاشى ذكره، ويركز على ما حصل بعد 2003.
نعم، نعترف للمرة الألف بأن ما بعد 2003 كان تجربة مليئة بالفوضى والانتهاك لكل قيم الدولة. لكن المهم في هذه التجربة أن التصحيح يمكن أن يحدث إذا ما توفرت الظروف الموضوعية والإرادة التي تتحرك بصدق ومروءة وإخلاص.
منذ أيام، ورئيس الوزراء يعمل على التحرك في أكثر من جبهة في ما يشبه الحرب على الخراب الكبير الذي أصاب جسد الدولة. فمن زيارات إلى دوائر ومؤسسات وزارة الصحة، ثم الإعلان عن هيئة لمكافحة الفساد، وصولا إلى زيارة الديوانية التي تعد واحدة من أكثر المحافظات شحاً في الموارد، وقلةً في فرص العمل، وفقراً في مدخولات الناس. وكأنه يحاول استعجال الزمن لتحقيق ما وعد به في برنامجه الحكومي الذي سماه (حكومة إنجاز) من خلال الدخول إلى أوكار الفساد التي بسببها ضاعت علينا الكثير من فرص التنمية والارتقاء.
المهم هنا أن يرسم السيد السوداني خطوات الإصلاح وإعادة بناء هياكل الدولة، من خلال برنامج ترشيد الحكومة ومؤسساتها، واعتماد خطط تغادر السلوك الإداري، الذي سمح بارتكاب جرائم الفساد والتعدي على قيمة الدولة. لا بأس هنا بالاستعانة بمؤسسات عالمية، واستعارة تجارب دولية قابلة للتطبيق، يمكن معها رصد الخروق، التي قد تحدث بسبب جماعات الفساد الانتهازية التي تتحين الفرص للانقضاض مثل الضباع على مقدرات الدولة. لكن الأهم في كل هذا هو استمرار الدعم السياسي من قبل جميع الكتل والأحزاب لخطوات السوداني، وعدم تركه في منتصف الطريق يواجه لوحده الخراب. فمكافحة الخراب هي مسؤولية أخلاقية يستلزم أن يتحملها الجميع. لأن الاستمرار في نهج التنصل عن المسؤولية الذي اعتدناه في كل الحكومات السابقة، يعني أن الانحطاط الشامل سيدفع في النهاية إلى خراب الدولة الشامل. لهذا نقول لجميع الفاعلين السياسيين: اغتنموا الفرصة مع السوداني الذي جربتم صدقه ونزاهته وكفاءة إدارته سابقاً، أو أن لعنة الخراب ستصيب الجميع ولن يكون أحد بمنجى عنها.