نوزاد حسن
وفي داخلي سنوات خدمتي التي تشبه ورماً لا يزول. لكني كنت واثقاً أن أشياء كثيرة لا يمكن أن تعود إلى الحياة ومن ضمن هذه الأشياء خدمة العلم كما كانت تسمى أو الخدمة الإلزامية.
لا يعرف أحد من مواليد التسعينيات وما بعدها ما معنى الخدمة الإلزامية. بعض المدونين ربط بين ميوعة الشباب وكسلهم وبين هدف أخلاقي يحصل عليه الشباب إن أصبحوا جنوداً. هذه بالتأكيد فكرة مجنونة إلى أبعد الحدود، وهي فكرة غير منطقية أيضاً.
ربما تكون الآراء مختلفة لكن الذين خدموا في المؤسسة العسكرية يعرفون جيداً الصعوبات التي واجهوها وهم يخوضون أغرب مغامرات يمر بها شعب على هذا الكوكب. هناك مواليد حملت الحروب على أكتافها, وكانوا محاربين لسنوات, ثم انتهى كل شيء بسقوط النظام السابق.
شخصياً أجد أن أسوأ أيام حياتي هي تلك التي قضيتها بوصفي جندياً، ليس لأني أكره فكرة أن ينضم الفرد إلى جيش بلده، لكن لأن هناك مبالغة في تحويل الناس إلى جنود مطيعين جداً حتى لو ساقهم النظام لمغامرة تكون عواقبها دمار البلد.
وفي الحقيقة كنت أطرح على نفسي سؤالاً واحداً, وأنا ألتحق بالتدريب الصيفي للطلبة: ما جدوى رمي عشرات الطلاب في معسكرات بعيدة, واخضاعهم لأوامر شكلية تتناقض مع ما يدرسونه في الجامعات؟.
وكان من يتخلف عن المشاركة في معسكرات تدريب الطلبة يفصل من الكلية, وقد فصل العديد من الطلاب, ولم يصدر عفو بحقهم ليعودوا إلى
كلياتهم.
إذن يرتبط مفهوم الخدمة الإلزامية بذكريات كثيرة لا تزال في ذاكرة الجنود المحاربين ممن خاضوا أكثر من حرب.
ومع كل هذا فإن عودة ذلك النظام من تجنيد الشباب يتطلب وضعاً خاصاً قد لا يبرره الوضع السياسي العام, وما حصل من تغييرات جذرية بعد عام 2003.
قلت مرة في أحد مقالاتي إن النظام السابق صنع دولة عسكرية قريبة الشبه من إسبارطة اليونانية التي كانت تربي مواطنيها على حياة الجندية, والقسوة, والحرب.
كنا كذلك بل كنا صورة طبق الأصل من إسبارطة.