كاظم الحسن
الطفولة تمثل مرحلة مهمة في حياة أي إنسان وسوف ترسم ملامحها على مستقبله لاحقاً، وتحمله أعباءها وأثقالها وصورها الغائرة، في أعماق النفس البشرية وهذه المنطقة المعتمة قد تكون محفزة ومهمة، لمن عاش طفولة قاسية ومؤلمة وشقية ويعمل على طي هذه الصفحة والانفتاح على العالم، بلا عقد وترسبات دفينة.
أما البعض الآخر فإن تلك الأيام المرة قد تهيمن على عمره كله وتلونه بصورة السوداوية وتبلغ الخطورة ذروتها، حين يصبح أولئك الأشخاص في موقع السلطة والمسؤولية ونعني بهم الطغاة والمستبدين، مثل ستالين، هتلر، صدام وقد تكون التشريعات اللاحقة، بعد الحرب العالمية الثانية التي وضعتها أوروبا، لحماية الأطفال من مخاطر العنف.
سواء كانت أسرية او مجتمعية، هي خير دليل على استشعار هذه الأمم، بتهديدات تلك الفترة من العمر على المجتمع لاحقا.
في فترة الحصار حين منع العراقي من السفر، سئل الطاغية عن أسباب ذلك فقال: "هو أني مسافر حتى يسافر العراقي" معنى ذلك أن ما يمر به يعكسه او يسقطه على الشعب؟
وهذا الأمر ممكن أن يحوله الشخص إلى تعاطف إنساني او انتقامي، حسب استعداداته النفسية والاجتماعية، بمعنى آخر إذا كان الشخص يعيش في بيئة عدائية، يمكن أن تشجعه على العنف، أما إذا كانت مسالمة، فهذا يكرس فيه الحس الإنساني.
وللطفولة عوالم مهمة ومحطات تبقى شاخصة في الذاكرة، يستضيء بها الانسان في مسيرته او معتمة تبدد طاقته وتجعله في حالة صراع مرير وقاس مع
ذاته.
ومن هذه المحطات، المدرسة، المشفى، الشارع والعوالم الأخرى التي يحاول الاندماج بها او فهم قواعدها للتكيف معها او على الأقل القبول بها والتعاطي معها بلا عقد او تذمر او شعور بالاضطهاد والاغتراب.
ولعل أقسى فترة يمر بها الطفل، هي التي تكابدها الأمم في الحروب والصراعات والنزاعات، فتبصم أهوالها على ذاكرته البيضاء وتحيلها إلى خزان للعنف والتمرد.
فالحروب التي مرت على العراق وأعمال العنف المتصلة بها، ألقت بظلالها على حياتهم ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح، من خلال ثقافة العنف النارية او الألعاب والدمى ذات الطابع العسكري التي تطوق حياتهم وهذا يجعل من البيئة التي يعيشها الطفل معادية له.
وتتميز مرحلة الطفولة بالنعومة والطراوة والدهشة والبراءة والعفوية وسرعة التصديق وهي المرجعية الراجحة للكبار، حين يشتد عودهم ويلجون معترك الحياة ودهاليزها وصخبها وأسرارها وعوالمها الخفية.
وقد يكون العمل المبكر، الذي يسرق الطفولة، صدمة مريرة لهم وهم بعد لم يستمتعوا، بعالم البراءة الذي لن يتكرر او يعود مرة أخرى وهذا يشعرهم بفراغ مؤلم، حين يغزو العمل، تلك الساحة البكر من حياتهم ويجعلهم في حالة حنين جارف، إلى تلك الأيام الخوالي.
وقد يكون لمشاهد القتل والدمار أبلغ التأثير، في هواياتهم في الحياة وخياراتهم المستقبلية، التي ترتبط في تلك المرحلة المهمة من الحياة.